حدَّثني أبو يعقوب إسحاق بن سيار قال: حدَّثني عامة أصحاب أبي نواس منهم عبد الله بن أحمد بن حرب المعروف بأبي هفان قالوا: بني للمخلوع مجلس لم تر العرب والعجم مثله، قد صور فيه كل التصاوير، وذهب سقفه وحيطانه وأبوابه، وعلقت على أبوابه ستور معصفرة مذهبة، وفرش بمثل ذلك الفرش، فلما فرغ من جميع أسبابه، وعرف ذلك، اختار له يوماً، وتقدم بأن يؤمر الندماء والشعراء بالحضور غدوة ذلك اليوم ليصطحبوا معه فيه، فلم يتخلف أحد، وكان فيمن حضر أبو نواس، فدخلوا فرأوا أسا لم يروا مثله قط ولم يسمعوا به، من إيوان مشرف فائح فاسح، يسافر فيه البصر، وجعل كالبيضة بياضاً، ثم ذهب بالإبريز المخالف بينه باللازوردذي أبواب عظام ومصاريع غلاظ تتلألأ فيها مسامير الذهب، قد قمعت رءوسها بالجوهر النفيس، وقد فرش بفرش كأنها صبغ الدم، منقش بتصاوير الذهب وتماثيل العقبان ونضد فيه العنبر الأشهب والكافور المصعد وعجين المسك وصنوف الفاكهة والشمامات والتزايين، فدعوا وأثنوا عليه، وأخذوا مجالسهم على مراتبهم عنده، ومنزلتهم منه، ثم أقبل عليهم فقال: إني أحببت أن أفرغ متعة هذا المجلس معكم، وأصطبح فيه بكم، وقد ترون حسنه، فلا تنغصوني ذلك