فلما كان من الغد جاء أبو العتاهية وقال: لمن هذه الأبيات؟ لوددت أنها لي بجميع شعري، فقلنا: أبو نواس. وتعجبنا من اتفاق قوليهما.
وحدثني أبو النجم قال: بلغني أن أبا نواس وهو في الكتاب وكان مليحاً صبيحاً - مرت به صبية وضيئة الوجه، فمازحته ساعة، ثم رمت إليه بتفاحة معضضة وانصرفت فقال:
شجر التفاح لا خفت القحل ... لا ولا زلت لغايات المثل
تقبل الطيب إذا علت به ... وبها من غير طيب محتمل
وعدتني قبلة من سيدي ... فتقاضت سيدي حين فعل
ليس ذاك العض من عيب لها ... إنما ذاك سؤال للقبل
ويقال أن الذي رغب فيه والبة بن الحباب حتى أخذه غلاماً فأدبه وخرجه هذه الأبيات. وقيل أيضاً: إن الذي بعث أبا نواس على صحبة والبة وأرغبه فيه بيتا والبة وهما همذان:
ولها ولا ذنب لها ... حب كأطراف الرماح
في القلب يجرح دائماً ... فالقلب مجروح النواحي
فإنه استحسنهما وجزلهما ورغب في الشعر. وهذا لعمري كلام دونه السحر.