أبو دلامة يحب أن ينبسط ويتكلم، وكان لا يتهيأ ذلك له في مجلس الخلافة، فهرب، فعاتبه أبو العباس على ذلك وقال: ويحك، أراك تحيد عنا وعن مجالسنا، وتهرب منا. فليت شعري لم ذاك؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، ما الخير والشرف والعز والفضل إلا في مجالستك، والوقوف على أبوابكم، ولزوم خدمتكم، ونكره مع ذلك أن تملونا، فنقبض على أنفسنا بعض القبض، ليكون أبقى لحالنا عندكم. قال أبو العباس: ما مللتك قطّ، وما ذاك كما ذكرت، ولكن قد اعتدت حانات الخمارين والخلعاء والمجان. ثم وكل به، وألزمه ألا يبرح حضرته، وكان يصلي معه الصلوات كلها، فأضر ذلك به. ففي ذلك يقول أبو دلامة:
ألم تعلمي أن الخليفة لزني ... بمسجده والقصر، مالي وللقصر
أصلي به الأولى مع العصر دائباً ... فويلي من الأولى وويلي من العصر
ويحبسني عن مجلس استلذه ... أعلل فيه بالسماع وبالخمر
ووالله ما بي نية في صلاته ... ولا البر والإحسان والخير من أمري
وما ضره والله يصلح أمره ... لو أن ذنوب العالمين على ظهري
فلما سمع أبو العباس الأبيات قال: والله ما يفلح هذا أبداً، فذروه وأصحابه. ومن شعر أبي دلامة يهجو عليّ بن صالح وقد كان وعده شيئاً ولم يف له به: