فسمع من وقع الكدين أصواتاً مختلفة، ففكر في هذا العلم وقال: لأضعن من هذا أصلاً لم أسبق إليه، فعمل العروض على هذه الأصوات التي في أيدي الناس، وكان ذكياً فطناً عالماً بأيام الناس وأخبارهم، وكان مع ذلك شاعراً مفلقاً، وأديباً بارعاً، وله أيضاً في الألحان والنغم كتاب معروف، وهو صاحب كتاب العين الذي جمع فيه أصول الكلام للعرب كلها.
حدثني محمد بن يزيد المبرد قال: حدثني أبان بن رزين البصري قال: زعم يونس النحوي أن الخليل بن أحمد كان يستدل بالعربية على سائر اللغات ذكاء منه وفطنة.
وحدثني أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثني الحسن بن المهلبي قال:
كان الخليل بن أحمد منقطعاً إلى الليث بن نصر بن سيار، وكان الليث من أكتب الناس في زمانه، وكان بارع الأدب، بصيراً بالنحو والشعر والغريب، وكان يكتب للبرامكة، ويطير معهم في دولتهم بجناحين، وكانوا معجبين، فارتحل إليه الخليل بن أحمد، فلما عاشره وجده بحراً، فأجزل له وأغناه. وأحب الخليل أن يهدي إليه هدية تليق به، فأقبل وأدبر، وعلم أن المال والأثاث لا يقع منه موقعاً حسناً، لوجود ذلك عنده، وكثرته لديه، وأنه لا يسر بشيء سروره بمعنى لطيف من الأدب، فجهد نفسه في تصنيف كتاب العين، فصنفه لليث بن نصر دون سائر الناس، ونمقه وحبره، وأخرجه في أسرى ظرف وأحسن خط، فوقع منه موقعاً: عظيماً، وسر به سروراً شديداً، فوصله بمائة ألف درهم، واعتذر إليه من