للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والفِقْه، والشِّعْر، والمُكَاتَبات وغير ذلك. وهكذا لم يَسْلَم من التصحيف فَنٌّ من الفنون مِمَّا دَفَع العلماء إلي إحكام الحِصَار حَوْلَه خَشْية أن يَتَفَشَّى فى النُّصُوص، بيد أنَّ أكثر العُلَماء عِنَايةً بهذا الأمر وأشدّهم احتراسًا من هذا الخَطَر هم المُحَدِّثون وإنَّما ازدادوا من عنايتهم بِضَبْط الأعلام، لأنَّ التَّصحيف الَّذِي يتَسرَّب إلى أسماء الرُّوَاة وأنسابهم وألقابهم ذو خُطُورة بَالِغَة فقد نَقَل عبد الغَنِيّ بن سَعِيد الأزدى عن إبراهيم بن عبد الله النَّجِيرَمِيّ قال: أَوْلَى الأشياءِ بالضَّبط أسماء الناس لأنَّه شئ لا يَدْخُله القِياس، ولا قبلَه شئٌ، ولا بعدَه شيءٌ يَدُلّ عليه (١) وهناك سَبَبٌ آخر يَدْعُو المُحَدِّثين إلى العِنَاية بهذا الأمر، هو أَنَّ رُوَاة الأحَاديث ونَقَلَة الأخبار هم من جملة أَرْكان الحُكْم على صِحَّة تلك الأحَادِيث والآثار، وهم يختلفون ضَبْطًا وحِفْظًا وعَدَالةً وَوَرَعًا فقد يشتبه اسمُ راوٍ بآخر، أحدُهما موثوق الرِّواية والآخر مَطْعُون فى روايته، وبِالتَّالي يختلف الحكم على هذه الأحاديث صِحَّةً وضَعْفًا حسب الحكم على الرَّاوِي ثِقةً وضَعْفًا.

ومن مَظَاهر عناية المُحَدِّثِين فى الاحتراز من هذا الخَطَر:

أوَّلًا: أنَّهم مَنَعُوا أخذَ العِلْم من الصُّحُف والمُصَحِّفِين، وألزَمُوا بأخذِه عن أهله المُتْقِنِين له تَلَقِّيًا ومُشَافَهةً ومُزَاحمة لهم بالرُّكب مع الصُّحْبَة الطَّويلة، لأنَّ من تَلَقَّاه عن أستاذٍ رَشِيدٍ خَبيرٍ إنَّما يَتَلَقَّى عنه عُصَارَة جُهْده، بالإضافة إلى ما تَلَقَّاه هذا الأستاذ عن شُيُوخِه السَّابِقِين، ومن تَلَقَّى العِلْم عن الشُّيُوخ المُتْقِنِين ولَازَمَهم فَلَن تَصِلَ الغَفْلَة، مَهْمَا يكن مُغَفَّلًا إلى حَدِّ أن يروي حَدِيثًا (عن جِبريل عن الله عن رَجُلٍ) فَقيل له: مَنْ هَذَا الَّذي يَصْلح أن يكون شيخًا لله تعالى، فإذا هو صَحَّف "عَزَّ وَجَلَّ" فَقَرأها "عن رَجُلٍ".


(١) المؤتلف والمختلف للأزديّ ص: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>