الحمدُ لله رَبّ العَالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على أشرف الأنبياء والمُرسلين، وعلى آلِه وأصحَابِه والتَّابِعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين. وبعدُ:
فإنّ من أهم خَصَائص هذه الأمّة أن قَيّض الله سبحانَه وتَعَالَى لها رِجَالًا يَخْدمُون دينَه، أتْعَبُوا لأجله أبدانَهم، وأجهدوا قواهم الجَسَدِيّة والفِكرية، وتَحَمّلوا فى سبيله كل ما يعترضهم من المشاقّ والمَتَاعِب، وحَرِص العلماءُ على ضبط نُصُوص هذا الدّين وألفاظه، وكل حَرفٍ يَتَّصل به، وَوَضَعُوا قَواعِد وضوابط وأصولًا لهذه الغَاية النَّبِيلَة، وَطَبّقُوها فى كُتُبِهم الكَثِيرة التى ألّفوها.
والأَخْطاء والتّحريفَات الّتي تَقَع في الكُتُب العَربِيّة المَطْبوعة، ليست التّبِعَة فيها على الخَطّ العَرَبِيّ، فقد أُعِدّت له قَوَاعِد لو رُوعِيت لما وقع الخطأ والتَّحْرِيف، ولا يكفي فى تدارك هذه المُشْكِلَة مَعْرفة المُصَحِّح وكونُه عالمًا بل لا بُدّ من أمورٍ أُخْرَى تجِب مُرَاعاتها، ولذلك كُلّ من كَتَب فى عُلُوم الحديث تَعَرَّض للاهتمام بِهذه القَوَاعد، ونَبَّه على الآثار السَّيِّئة المُتَرتبة على عَدَم العِنَاية بها.
قال ابن الصَّلاح: ثم إنّ على كَتَبَة الحَدِيث وطَلَبَته صَرْف الهِمَّة إلى ضبط ما يكتُبونه أو يَحْصُلونه بِخَطِّ الغير من مَرْويّاتهم على الوَجْه الّذي رَوَوه شَكلًا ونَقْطًا بحيث يؤمَن معهما الالتباس، وكثيرًا ما يَتَهاون بذلكَ الوَاثِق