والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا)) .
وفي لفظ:"فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات".
هذا الحديث مشتمِل على صفة صلاة الكسوف، وفيه دليلٌ على مشروعية الخطبة والموعظة بعدها، وفيه الأمر بالصدقة وكثرة الذكر والدعاء والاستغفار.
قوله:"ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول"، في رواية:"ثم قال: ((سمع الله لِمَن حمده، ربنا ولك الحمد)) ".
قوله:((ما من أحد أَغْيَر من الله - سبحانه - أن يزني عبده أو تزني أمته)) ، وقيل: غيرة الله - تعالى - ما يغير من حال العاصي بانتقامه منه، ومنه قوله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد: ١١] .
وقال ابن دقيق العيد: أهل الشريعة في مثل هذا على قولين: إمَّا ساكت، وإما مؤوِّل، على أن المراد بالغَيْرَة شدَّة المنع والحماية، فهو من مجاز الملازمة التي قلت، والسكوت في هذا المقام ونحوه أسلم من الخوض في ذلك، فتفسيرها إمرارها كما وردت، ولما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيرًا في إثارة النفوس وغلَبَة الغضب، ناسَب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة مَن حرَّم الفواحش وحماها.
قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على غلَبَة مقتضى الخوف، وترجيح الخوف في الموعظة على الإشاعة بالرخص؛ لما في ذلك من التسبُّب إلى تسامح النفوس لما جُبِلت عليه من الإخلاد إلى الشهوات وذلك مرضها الخطر، والطبيب الحاذق يقابل العلة بضدِّها لا بما يزيدها، انتهى.
قال الحافظ: وفي حديث عائشة من الفوائد غير ما تقدَّم المبادرة بالصلاة وسائر ما ذكر عند الكسوف، والزجر عن كثرة الضحك والحث على كثرة البكاء، والتحقُّق بما سيصير إليه المرء من الموت والفناء والاعتبار بآيات الله، وفيه الرد على مَن زعم أن للكواكب تأثيرًا في الأرض؛ لانتفاء ذلك عن الشمس
والقمر فكيف بما دونهما؟ وبيان ما يُخشَى اعتقاده على غير الصواب، ومن حكمة وقوع الكسوف تبيين أنموذج ما سيقع في القيامة، وصورة عقاب مَن لم يذنب، والتنبيه على سلوك طريق الخوف مع الرجاء لوقوع الكسوف بالكوكب، ثم كشف ذلك عنه ليكون المؤمن من ربه على خوف ورجاء.