للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكم وإنما أذن لي ساعة من نهار)) قال الحافظ: مقدارها ما بين طلوع الشمس إلى صلاة العصر، ولفظ الحديث عند أحمد من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: لما فتحت مكة قال: "كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر فأَذِن لهم حتى صلى العصر، ثم قال: كفوا السلاح، فلقي رجل من خزاعة رجلاً من بني بكر من غَدٍ بالمزدلفة فقتله، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام خطيبًا فقال - ورأيته مسندًا ظهره إلى الكعبة ... فذكر الحديث.

قوله: ((وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس)) ، في رواية: ((ثم هي حرام إلى يوم القيامة)) .

قوله: ((فليبلغ الشاهد الغائب)) فيه دليلٌ على وجوب تبليغ العلم، وعلى قبول خبر الواحد.

قوله: "أنا أعلم بذلك يا أبا شريح" قال ابن حزم: لا كرامة للطيم الشيطان يكون أعلم من صاحب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

قوله: ((إن الحرم لا يعيذ عاصيًا)) ؛ أي: لا يجيره ولا يعصمه.

قوله: ((ولا فارًّا)) ؛ أي: هاربًا بدم.

قال الحافظ: والمراد: مَن وجوب عليه حدُّ القتل فهرب إلى مكة مستجيرًا بالحرم، وهي مسألة خلاف بين العلماء، وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساق الدليل وفي تخصيصه العموم بلا مستند، انتهى.

قوله: ((ولا فارًّا بخربة)) قال ابن بطال: الخربة بالضم الفساد، وبالفتح السرقة، وقد تصرَّف عمرو في الجواب وأتى بكلام ظاهره حق، لكن أراد به الباطل، فإن الصحابي أنكر عليه نصب الحرب على مكة، فأجابه بأنها لا تمنع من إقامة القصاص وهو صحيح، إلا أن ابن الزبير لم يرتكب أمرًا يجب عليه فيه شيء من ذلك، انتهى.

وعند أحمد: قال أبو شريح: "فقلت لعمرو: قد كنت شاهدًا وكنت غائبًا، وقد أمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا وقد بلغتك".

قال الحافظ: وفي حديث أبي شريح من الفوائد غير ما تقدَّم: إخبار المرء عن نفسه بما يقتضي ثقته وضبطه لما سمعه ونحو ذلك، وإنكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر الدين والموعظة بلطف وتدريج، والاقتصار في الإنكار على اللسان إذا لم يستطع باليد، ووقوع التأكيد في الكلام للتبليغ، وجواز المجادلة في الأمور الدينية، وفيه الخروج عن عهدة التبليغ والصبر على المكاره لِمَن لا يستطيع بدًّا من ذلك، وفيه شرف مكة، وتقديم الحمد والثناء على القول المقصود؛ وفضل أبي شريح لاتِّباعه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتبليغ عنه وغير ذلك.

* * *

<<  <   >  >>