للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من مشرك عملاً بعد ما أسلم أو يفارق المشركين)) .

ولأبي داود في حديث سمرة مرفوعا ((أنا برئ من كلِّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين)) وهذا محمولٌ على مَن لم يأمن على دينه، انتهى.

وقال الماوردي: إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يترجى من دخول غيره في الإسلام، انتهى.

قوله: ((ولكن جهاد ونية)) قال الطيبي وغيره: هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله، والمعنى: أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت، إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية، وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر، والخروج في طلب العلم، والفرار بالدين من الفتن، والنية في جميع ذلك.

قال الحافظ: وتضمَّن الحديث بشارة من النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن مكة تستمرُّ دار إسلام.

قوله: ((وإذا استُنفِرتم فانفروا)) ؛ أي: إذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد فاخرجوا، قال الحافظ: وفي الحديث وجوب تعين الخروج في الغزو على مَن عيَّنه الإمام، وأن الأعمال تعتبر بالنيات، انتهى.

قوله: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله)) ؛ أي: بتحريمه، واستدلَّ به على تحريم القتل والقتال بالحرم.

فأمَّا القتل فنقل بعضهم الاتِّفاق على جواز إقامة حدِّ القتل فيها على مَن أوقعه فيها، وخص الخلاف بِمَن قتل في الحل ثم لجأ إلى الحرم، وممَّن نقل الإجماع على ذلك ابن الجوزي.

وأمَّا القتال فقال الماوردي: من خصائص مكة أن لا يحارب أهلها، فلو بغوا على أهل العدل، فإن أمكن ردهم بغير قتال لم يجز، وإن لم يمكن إلا بالقتال؛ فقال الجمهور: يقاتلون؛ لأن قتال البغاة من حقوق الله - تعالى - فلا يجوز إضاعتها، وقال آخَرون: لا يجوز قتالهم، بل يضيق عليهم إلى أن يرجعوا إلى الطاعة.

قال الطبري من الشافعية: مَن أتى حدًّا في الحل واستجار بالحرم فللإمام إلجاؤه إلى الخروج منه، وليس للإمام أن ينصب عليه الحرب بل يحاصره ويضيِّق عيه حتى يذعن للطاعة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وإنما أُحِلَّت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس)) ، فعلم أنها لا تحلُّ لأحدٍ بعده بالمعنى الذي

<<  <   >  >>