وفي رواية:"وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقته"، وفي رواية:"أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم النحر، فقام إليه رجل فقال: كنت أحسب أنَّ كذا قبل كذا، ثم قام آخر فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا، حلقت قبل أن أنحر، نحرت قبل أن أرمي، وأشباه ذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((افعل ولا حرج)) لهن كلهن، فما سُئِل يومئذ عن شيء إلا قال:((افعل ولا حرج)) .
قال الحافظ: كان ذلك يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة، ولا يلزم من وقوفه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها، ففي حديث ابن عمر: أنه - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته، فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى.
قوله: "فقال رجل لم أشعر أي لم أفطن"، ولمسلم: "لم أشعر أن الرمي قبل النحر، فنحرت قبل أن أرمي"، وقال آخر: "لم أشعر أن النحر قبل الحلق فحلقت قبل أن أنحر"، ولمسلم: "إني حلقت قبل أن أرمي"، وقال آخر: "أفضت إلى البيت قبل أن أرمي".
قوله:((أذبح ولا حرج)) ؛ أي: لا ضيق عليك في ذلك، قال الحافظ: أي: لا شيء عليك مطلقًا من الإثم، لا في الترتيب ولا في ترك الفدية، هذا ظاهره، وقال بعض الفقهاء: المراد نفي الإثم فقط، وفيه نظر؛ لأن في بعض الروايات الصحيحة: "ولم يأمر بكفارة"، وقال الحافظ أيضًا: وظائف يوم النحر بالاتفاق أربعة أشياء: رمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي أو ذبحه، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة.
وفي حديث أنس في الصحيحين: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى منًى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنًى فنحر وقال للحلاق:((خذ)) ، ولأبي داود:"رمى ثم نحر ثم حلق".
وقد أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب، واختلفوا في جواز تقديم بعضها على بعض؛ فأجمعوا على الإجزاء في ذلك، إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع.
وقال القرطبي: ذهب الشافعي وجمهور السلف والعلماء وفقهاء أصحاب الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم؛ لقوله للسائل:((لا حرج)) ، فهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معًا؛ لأن اسم الضيق يشملها، انتهى.
ولمسلم: فما سمعته سُئِل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجعل من تقديم بعض الأمور على بعض وأشباهها إلا قال: ((افعلوا ولا حرج)) ،