للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمراد النهي عن السفر إلى غيرها، قال الطيبي: هو أبلغ من صريح النهي فإنه قال لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصَّت به، والرِّحال بالمهملة جمع رحل وهو للبعير كالسرج للفرس، وكني بشدِّ الرحال عن السفر لأنه لازِمه، وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر، وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعنى المذكور، ويدلُّ عليه قوله في بعض طرقه: ((إنما يسافر)) ؛ أخرجه مسلم من طريق عمران بن أبي أويس عن سليمان الأغر عن أبي هريرة، اهـ.

وقال الصنعاني في "سبل السلام": والحديث دليلٌ على فضيلة هذه المساجد، ودلَّ بمفهوم الحصر أنه يحرم شد الرحال لقصد غير الثلاثة، كزيارة الصالحين أحياءً وأمواتًا لقصد التقرُّب ولقصد المواضع الفاضلة لقصد التبرُّك بها والصلاة فيها، وقد ذهب إلى هذا الشيخ أبو محمد الجويني، وبه قال القاضي عياض وطائفة، ويدلُّ عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور، وقال: لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت، واستدلَّ بهذا الحديث ووافَقَه أبو هريرة.

وذهب الجمهور إلى أن ذلك غير محرَّم، واستدلُّوا بما لا ينهض، وتأوَّلوا أحاديث الباب بتآويل بعيدة، ولا ينبغي التأويل إلا بعد أن ينهض على خلاف ما أوَّلوه الدليل.

وقد دلَّ الحديث على فضل المساجد الثلاثة، وأن أفضلها المسجد الحرام؛ لأن التقديم ذكرًا يدلُّ على مزيَّة المقدَّم، ثم مسجد المدينة، ثم المسجد الأقصى، وقد دلَّ لهذا أيضًا ما أخرجه البزار وحسَّن إسناده من حديث أبي الدرداء مرفوعًا: ((الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة)) ، وفي معناه أحاديث أُخَر، اهـ.

وقال الشوكاني في "شرح المنتقى": وقد اختلف أقوال أهل العلم في زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فذهب الجمهور إلى أنها مندوبة، وذهب بعض المالكية وبعض الظاهرية إلى أنها واجبة، وقالت الحنفية: إنها قريبة من الواجبات، وذهب ابن تيميَّة الحنبلي حفيد المصنف المعروف بشيخ الإسلام إلى أنها غير مشروعة، وتبعه على ذلك بعض الحنابلة، وروى ذلك عن مالك والجويني والقاضي عياض، اهـ.

وقال ابن القيم: فصل في هديه - صلى الله عليه وسلم - في زيارة

<<  <   >  >>