القبور، كان إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم، والترحُّم عليهم، والاستغفار لهم، وهذه هي الزيارة التي سنَّها لأمَّته وشرعها لهم، وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها:"السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية"، وكان هديه أن يقول ويفعل عند زيارتها من جنس ما يقوله عند الصلاة عليه من الدعاء والترحُّم والاستغفار، فأبى المشركون إلا دعاء الميت والإشراك به، والإقسام على الله به، وسؤاله الحوائج، والاستعانة به، والتوجُّه إليه بعكس هديه - صلى الله عليه وسلم - فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم وإلى الميت، وهم ثلاثة أقسام: إمَّا أن يدعوا الميت، أو يدعوا به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجَب وأَوْلَى من الدعاء في المساجد، ومَن تأمَّل هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه تبيَّن له الفرق بين الأمرين، وبالله التوفيق، اهـ.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنه كان إذا دخل المسجد قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتِ، ثم ينصرف؛ رواه مالك في الموطأ.
قال الموفق في "المغني": ولا يستحب التمسُّح بحائط قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تقبيله، قال أحمد: ما أعرف هذا، قال الأثرم: رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسُّون قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يقومون من ناحية فيسلمون، قال أبو عبد الله: وهكذا كان ابن عمر يفعل، اهـ.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:((ما منكم من أحد يسلم علي إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام)) ؛ رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: وإذا سلَّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - استقبل القبلة ودعا في المسجد ولم يدعُ مستقبلاً للقبر كما كان الصحابة يفعلونه وهذا بلا نزاع، وما نقل عن مالك فيما يخالف ذلك مع المنصور فليس بصحيح وإنما تنازعوا في وقت التسليم هل يستقبل القبر أو القبلة؟ فقال أصحاب أبي حنيفة: يستقبل القبلة، والأكثرون على أنه يستقبل القبر، انتهى، وبالله التوفيق، والله أعلم.