فما تأمرني به؟ قال:((إن شئت حبست أصلها وتصدَّقت بها)) ، قال: فتصدَّق بها عمر غير أنه لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب، قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على مَن وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقًا غير متمولٍ فيه"، وفي لفظ: "غير متأثل".
هذا الحديث أصلٌ في مشروعية الوقف، وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة في طرق الخير.
قوله: "أنفس"؛ أي: أجود، والنفيس: الجيد المغتبط به.
قوله: "فتصدق بها عمر غير أنه لا يباع أصلها" في لفظ: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تصدق بأصله لا يُباع ولا يُوهب ولا يُورث ولكن يُنفق ثمره)) .
قوله: "وفي القربى"؛ يعني: قربى الواقف.
قوله: "لا جناح على مَن وليها أن يأكل منها بالمعروف"؛ يعني: بالقدر الذي جرت به العادة، قال القرطبي: جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الوقف، حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل يستقبح ذلك منه.
قوله: "غير متموِّل فيه"؛ أي: غير متَّخذ مالاً، و (التأثل) : اتخاذ أصل المال حتى كأنه عند قديم، وكتب عمر هذا الوقف في خلافته، ونصه: "هذا ما كتب عبد الله أمير المؤمنين في ثمغ، أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمره حيث أراها الله، فإن توفيت فإلى ذوي الرأي من أهلها، والمائة وسق الذي أطعمني النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنها مع ثمغ على سنته الذي أمرت به إن شاء ولي ثمغ أن يشتري من ثمره رقيقًا يعملون فيه فعل، وكتب معيقيب، وشهد عبد الله بن الأرقم".
وفيه من الفوائد جواز إسناد الوصية والنظر على الوقف للمرأة، وإسناد النظر إلى مَن لم يسمَّ إذا وصف بصفة تميِّزه، وأن الواقف له النظر على وقفه، وفيه استشارة أهل العلم والدين والفضل، وفيه فضيلة ظاهرة لعمر، وفيه فضل الصدقة الجارية، وفيه صحة شروط الواقف إذا لم تخالف الشرع، وفيه جواز الوقف