كل هذه أمور تعلن أن الطفل يشعر بأن المدرسة أقيمت للحد من رغباته ولقمع حريته أيضا. لكن الطفل يصبح مقتنعا بضرورة المرور بهذه المؤسسة أو الوكالة ليحظى بالمكانة أو الاعتراف، فهو عن طواعية يشارك في قمع ذاته وممارسة الضغط على نفسه. ويعني ذلك أن الطفل رغم ما سمعه ويسمعه عن الدراسة ويعايشه فيها يقبل عليها، وقد اتخذ موقفا منها وتكون في أعماقه ما يشير إلى إمكانية تقبله لها أو نفوره منها. ولا شك أن باستطاعة المدرسة أن تصلح كثيرا من الموقف السالب الذي أصبح لدى الطفل ولكنه يبقى دائما موقفا مبدئيا له دوره وتأثيره في كثير من المجتمعات.
وللمدرسة وظيفة اجتماعية هامة، هي استمرار المجتمع الذي هي فيه، وذلك بأن تيسر لأطفال المجتمع، تمثل قيم هذا المجتمع ومعاييره، وتدربهم على السلوك الذي يرتضيه عموما في المواقف والمناسبات وهي بذلك وكالة من وكالات التنشئة الاجتماعية ذات الأهمية.
وقد تكون المدرسة أول مجتمع يواجه الطفل بمفرده بعد خروجه من المنزل إذا لم تسنح له ظروف الالتحاق بالروضة. ويختلف هذا المجتمع الجديد عن أسرته التي قضى فيها فترته السابقة.
إن أسرة الطفل كجماعة أولية كانت العلاقات تتميز فيها بالمواجهة والعمق والدفء، وإن الطفل فيها تقدر قيمته لذاته، أما الآن وقد دخل المدرسة فهي جماعة ثانوية، ليس فيها دائما علاقات المواجهة لا بين المدرسين والأطفال ولا بين الأطفال بعضهم والبعض فالعلاقات ليست على نفس الدرجة من العمق والحرارة.
فأعداد الأطفال داخل المدرسة كبيرة مقارنة بالأسرة، وتبدل المدرسين من عام إلى آخر، بل ومن مادة إلى أخرى يجعل تكوين مثل هذه العلاقات ونموها أمرا صعبا جدا، كما أن المدرسة كتنظيم اجتماعي له وظيفة محددة، لا ترحب بنشأة هذه العلاقات، لأن تقويم التلاميذ وتقديرهم جزء أساسي من وظيفتها، وإن نشأة علاقات حميمة عميقة بين المدرسين والتلاميذ أمر يؤثر في سلامة أداء المدرسة لدورها التقويمي.