إن في عمل الرسول هذا تهذيبا لطباع شرسة، ويحد بذلك من تنطع مقيت، فإصلاح نفس الطفل وإدخال السرور على قلبه أمور هامة في المعاملة. إن الله الرحيم ليقبل الصلاة التي يشغل فيها صاحبها بالحدب على طفل، وربما لا يقبل الصلاة التي توصد حول مؤديها الأبواب والحجب، وينهر من أجلها الأطفال أو يضربون خشية أن تبطل كما يزعمون.
إن الآباء الذين يشكون من فساد أولادهم بعد كبرهم، ليس لهم إبداء ضيق أو برم -فعلى نفسها جنت براقش- فهم الذين أرخوا لهم بحجة العطف والحنان، بدافع الحب المفرط. إن الإسلام دين الوسط والاعتدال يجب على الوالدين أن يسلكا في ضوئه مع أولادهما نهجا وسطا، ليس فيه حماية زائدة أو تدليل أو تسلط أو تصلب أو تحقير، بل إن الأمر دفء في غير ضعف وحزم في غير شدة.
والذي يقرأ قصة سيدنا يوسف عليه السلام أو قصة سيدنا إبراهيم أو سيدنا شعيب عليهما السلام يلتمس تنبيها إلى صورة حية واقعية، كان فيها الحوار بين الآباء والأولاد وليس التسلط والتصلب بل لغة الإقناع، وكان فيها أيضا تقدير رأي الولد بما يبعث الثقة بالنفس وتقدير الذات.
يقول الله تعالى في سورة يوسف عليه السلام:{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} ، ويقول الله في شأن إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} .
وإذا كان الثواب مهما بالنسبة للأطفال، فعقاب الطفل إذا أهمل أو جنح إلى الخطأ مباح أيضا استنادا إلى إباحة الإسلام ضربه على ترك الصلاة عند بلوغه عشر سنين، ولكن هذا العقاب المباح أمر بالغ الحساسية على الأخطاء الأخرى التي ترتكب من الأطفال، ولا ننسى ما روته عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه".