والثقافة توفر للفرد وسائل إشباع حاجاته البيولوجية، فليس على الطفل أن يتعلم في بداية حياته كيف يجلب لنفسه الدفء أو ينقذ نفسه من الجوع أو العطش، أو يوفر لنفسه الأمن. إذ إن الأنماط التي توفر هذه الأمور الأولية وتوجهها توجد في الثقافة ويتفاعل معها الفرد منذ طفولته. كما أنها توفر للطفل منذ مولده حتى يصبح كهلا المعاني والمعايير التي توضح الأحداث هل هي طبيعية أم غير طبيعية؟ هل هي منطقية أم غير منطقية؟ هل هي جميلة أم قبيحة؟ هل هي هامة أم تافهة؟
وتعتبر الأسرة الوعاء الثقافي الأول الذي ينشأ فيه الأطفال، فهي وسيط الثقافة الأولى لما يلي:
١- ترعى الطفل أوليا في الغذاء والنظافة والملبس ... إلخ.
٢- توجه الطفل للتعامل مع غيره من خلال مبادئ وأساسيات التعامل خذ، هات، أعط، اشكر ... وهكذا.
٣- تنقل التراث الثقافي للطفل بتعريفه وتعليمه وتلقينه العادات والتقاليد التي يجب أن تراعى وأوقاتها ومناسباتها.
٤- تساعد الطفل في تعلم المبادئ الأولية التي تساعد على التوافق الاجتماعي في ضوء رغبات الآخرين وإمكاناتهم.
ولما كانت الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع، لذا فإن النمط الشائع بين أسر المجتمع الواحد يعكس ثقافة ذلك المجتمع. وتصبح الثقافة السائدة في المجتمع لها دورها في تشكيل شخصة الإنسان الذي نشأ فيه، وينعكس ذلك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي ترسم الإطار العام لسلوكيات الأفراد، وهذا ما جعل Mead تضفي أهمية دراسة المجتمعات البدائية وغير البدائية لإعطاء صورة عن تأثيرات الثقافة السائدة على سلوك الاطفال، وهو الأمر الذي لم يغفله المؤلفان الحاليان.
ويشير ماهر عمر إلى أن دور التفاعل بين الأطفال الصغار وبين الثقافة المحيطة بهم تفسره النظريات التطورية للمعرفة Cognitive- Development Theories على أنه يسهم إلى حد كبير في تنشئتهم الاجتماعية المتعلقة بتحديد