للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ولما قدم الوليد بن عبد الملك حاجًّا بعد فراغ عمر بن عبد العزيز من المسجد جعل يطوف فيه وينظر إلى بنائه فقال لعمر حين رأى سقف المقصورة: ألا عملت السقف كله مثل هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين إذًا تعظم النفقة جدًّا؛ أتدري كم أنفقت على عمل جدار القبلة وما بين السقفين؟ قال: وكم؟ قال: خمسة وأربعين ألف دينار، وقال بعضهم: أربعين ألف دينار، وقال: والله لكأنك أنفقتها من مالك، وقيل: كانت النفقة أربعين ألف مثقال.

قالوا: وكان معه أبان بن عثمان بن عفان فلما استنفد الوليد النظر إلى المسجد التفت إلى أبان فقال: أين بنياننا من بنيانكم، فقال أبان: بنيناه بناء المساجد وبنيتموه بناء الكنائس، قالوا: وبينا أولئك القوم يعملون في المسجد إذ خلا لهم فقال بعضهم لأبولن على قبر نبيهم فتهيأ لذلك ونهاه أصحابه فلما هم أن يعمل اقتلع وألقي على رأسه فانتثر دماغه فأسلم بعض أولئك النصارى وعمل أحدهم على رأس خمس طاقات من جدار القبلة، وفي صحن المسجد صورة خنزير، فظهر عليه عمر بن عبد العزيز فأمر به فضربت عنقه، قالوا: وكان عمل القبلة مقدم المسجد، وكانت الروم تعمل ما خرج من السقف من جوانبه ومؤخره، قال أهل السير: ولما فرغ عمر من بنيان المسجد أراد أن يجعل في أبوابه في كل باب سلسلة تمنع الدواب من الدخول فعمل واحدة وجعلها في باب مروان ثم بدا له عن البواقي، قلت: فهي باقية إلى اليوم، وأقام الحرس فيه يمنعون الناس من الصلاة على الجنائز فيه، ومن أن يخترقوه، والسنة في الجنائز باقية إلى هذا إلا في حق العلويين ومن أراد من الأمراء وغيرهم من الأعيان، والباقون يصلى عليهم خلف الحائط الشرقي من المسجد إذا وقف الإمام على الجنازة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عن يمينه.

ذكر زيادة المهدي فيه:

قال أهل السير: لم يزل المسجد على ما زاد فيه الوليد بن عبد الملك حتى ولي أبو جعفر المنصور١ فهم بالزيادة وشاور فيها وكتب إليه الحسن بن زيد يصف له ناحية موضع الجنائز، ويقول: إن زيد في المسجد من الناحية الشرقية توسط قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، فكتب إليه أبو جعفر: إني قد عرفت الذي أردت، فاكفف عن ذكر دار الشيخ عثمان بن عفان رضي الله عنه، قالوا: وتوفي أبو جعفر ولم يزد فيه شيئا. ثم حج المهدي٢ ابن أبي جعفر سنة إحدى وستين ومائة، فقدم من الحج إلى المدينة واستعمل عليها جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس سنة إحدى وستين ومائة، وأمره


١ ولي أبو جعفر عرش الخلافة العباسية عام ١٣٦هـ، وظل خليفة حتى توفي عام ١٥٨هـ.
٢ ظل في الخلافة من عام ١٥٨هـ، حتى عام ١٦٩هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>