[ذكر ولاية بني إياد بن نزار الكعبة وشيء من خبرهم وخبر مضر ومن ولي الكعبة من مضر قبل قريش]
قال الفاكهي: ذكر ولاية إياد بن نزار البيت وحجابتهم إياه وتفسير ذلك: حدثنا حسن بن حسين الأزدي، قال: حدثنا محمد بن حبيب قال: قال عيسى بن بكر الكناني: ثم وليت حجابة البيت إياد؛ فكان أمر البيت إلى رجل منهم يقال له: وكيع بن سلمة بن زهير بن إياد؛ فبنى صرحا بأسفل مكة -عند سوق الحناطين اليوم- وجعل فيه أمة يقال لها: الحزورة -فبها سميت خزورة مكة- وجعل فيها سلما، وكان يرقاه، ويقول -بزعمه- إنه يناجي الله تبارك وتعالى، وكان ينطق بكثير من الخبر يقوله، وقد أكثر فيه علماء العرب؛ فكان أكثر من قال فيه أن قال: إنه كان صديقا من الصديقين، وكان يتكهن، ويقول: مرضعة وفاطمة، ووادعة وقاطعة، والقطيعة، والفجيعة، وصلة الرحم، وحسن الكلم، يقول ربكم:"ليجزين بالخير ثوبا، وبالشر عقابا"،
وكان يقول: من في الأرض عبيد لمن في السماء، هلكت جرهم، وأزيلت إياد، وكذلك الصلاح والفساد.
حتى إذا حضرته الوفاة جمع إيادا؛ فقالوا: اسمعوا وصيتي: الكلام كلمتان، والأمر بعد البيان، من رشد فاتبعوه، ومن غوى فارفضوه، وكل شاة معلقة برجليها؛ فكان أول من قالها؛ فأرسلها مثلا. فمات وكيع، فنعي على رؤوس الجبال، فقال بشر بن الحجر:
ونحن إياد عباد الإله ... ورهط مناجية في سلم
ونحن ولاة حجاب العتيق ... مآل النخاع على جرهم
ثم قال: وقامت نائحة وكيع على أبي قبيس فقالت:
ألا هلك الوكيع أخو إياد ... سلام المرسلين على وكيع
مناجي الله مات فلا خلود ... وكل شريف قوم في وضيع١
ثم إن مضر أديلت بعد إياد، وكان أول من ديل منها: عدوان وفهم، وأن رجلا من إياد ورجلا من مضر خرجا يصيدان؛ فمرت بهما أرنب، فاعتنقا بها يرميانها؛ فرماها الإيادي، فنزل سهم فنظم قلب المضري فقتله؛ فبلغ الخبر مضر، فاستغاثت بفهم وعدوان يطلبون لهم قود صاحبهم؛ فقالوا: إنما أخطأه، فأبت فهم وعدوان إلا قتله،
١ في منتخف شفاء الغرام طبع أروبا "ص: ١٣٧": "وضوع".