[ذكر شيء مما قيل من الشعر في التشوق إلى مكة الشريفة وذكر معالمها المنيفة]
أنشدني المعمر بن محمد بن داود الصالحي إذنا مكاتبة، والأصيلة أم الحسن فاطمة بنت مفتي مكة شهاب الدين أحمد بن قاسم العمري إذنا مشافهة، أن الإمام المحدث فخر الدين عثمان بن محمد بن عثمان المالكي أنشدهما إذنا مشافهة، قال: أنشدنا الأديب أبو بكر محمد بن محمد بن عبد الله بن رشيد البغدادي قصيدة نفيسة سماها "الذهبية في الحجة الملكية والزورة المحمدية"، جاء فيها:
فيا أين أيام تولت على الحما ... وليل مع العشاق فيه سهرناه
ونحن لجيران المحصب جيرة ... نوفي لهم حسن الوداد ونرعاه
ومنها قوله:
فهاتيك أيام الحياة وغيرها ... ممات فيا ليت النوى ما شهدناه
ويا ليت عنا أغمض الدهر طرفه ... ويا ليت وقتا للفراق فقدناه
وترجع أيام المحصب من منى ... ويبدو ثراه للعيوب وحصباه
وتسرح فيه العيس بين ثمامة ... وتستنشق الأرواح طيب خزاماه
ومنها قوله:
فشدوا مطايانا إلى الربع ثانيا ... فإن الهوى عن ربعهم ما ثنيناه
ففي ربعهم لله بيت مبارك ... إليه قلوب الناس تهوى وتهواه
يطوف به الجاني فيغفر ذنبه ... ويسقط عنه إثمه وخطاياه
وكم لذة كم فرحة لطوافه ... فلله ما أحلى الطواف وأهناه
نطوف كأنا بالجنان نطوفها ... ولا هم لا غم جميعا نفيناه
فيا شوقنا نحو الطواف وطيبة ... فذلك طيب لا يعبر معناه
فمن لم يذقه لم يذق قط لذة ... فذقه تذق يا صاح ما نحن ذقناه
ترى رجعة أو عودة لطوافنا ... وذاك الحمى قبل المنية نغشاه
فوالله لا ننسى الحمى فقلوبنا ... هناك تركناها فيا كيف ننساه
ووالله لا ننسى زمان مسيرنا ... إليه وكل الركب يلتذ مسراه
وقد نسيت أولادنا ونساؤنا ... وإخوننا والقلب عنهم شغلناه
تراءت لنا أعلام وصل على اللوى ... فمن ثم أمسى القلب عنهم لويناه
جعلنا إله العرش نضب عيوننا ... ومن دونه خلف الظهور نبذناه
وسرنا نشق البيد للبلد الذي ... بجهد وشق للنفوس بلغناه
رجالا وركبانا على كل ضامر ... ومن كل فج مقفر قد أتيناه