مسجد عرفة هو الذي يصلي فيه الإمام بالناس يوم عرفة، وما ذكرناه من أنه مسجد عرفة يوافق ما ذكره الأزرقي في غير موضع من كتابه.
وذكر المحب الطبري١ أن المتعارف فيه عند أهل مكة وتلك الأمكنة مسجد عرفة بالفاء، وقيل: إنه من عرنة بالنون، وهو موافق لما ذكره الشافعي، كما سبق في حد عرفة، وتقييد ابن الصلاح على ما نقل عنه المحب الطبري، لأنه قال: ويقال له مسجد عرنة بالنون وضم العين، كذلك قيده ابن الصلاح في منسكه، ثم عقب ذلك بقوله: والمتعارف فيه إلى آخر كلامه، وجزم النووي في "الإيضاح" بأن مسجد عرنة بالنون، وذكر ابن الجلاد من أصحابنا المالكية ما يقتضي أنه ليس من عرفة بالفاء، وذكر ابن المواز أن حائط القِبلي على حد عرفة، ولو سقط لسقط في عرفة ... انتهى.
وقيل: مقدم هذا المسجد من عرنة بالنون، ومؤخره من عرفة بالفاء، ذكر ذلك جماعة من الأئمة الشافعية الخراسانيين، منهم: الشيخ أبو محمد الجويني، وابنه إمام الحرمين، والقاضي الحسين في تعليقه، والرافعي، قال الشيخ أبو محمد: ويتميز ذلك بصخرات كبار فرشت في ذلك الموضع ... انتهى.
وتظهر ثمرة هذا الخلاف في رجل أخر الوقوف به، وتوقف مالك في إجزاء الوقوف بهذا المسجد، وفيه لأصحابنا قولان: المنع لأصبغ، والإجزاء لمحمد بن المواز، وهو مقتضى كلام الشيخ خليل الجندي في مختصره الذي صنفه لبيان ما به الفتوى، مع كراهة الوقوف بهذا المسجد، وما قاله الفقهاء المشار إليهم من أن هذا المسجد كله من عرفة أو بعضه يخالف مقتضى رأي من جعل حد عرفة من جهة مكة الأعلام الثلاثة التي عمرها المظفر صاحب إربل، وعمر منها المستنصر العباسي العلمين الموجودين الآن، لأن فيهما مكتوبا أن صاحب إربل أمر بإنشائهما بين منتهى أرض عرفة ووادي عرفة، ووجه مخالفة ذلك: ما ذكره الفقهاء في هذا المسجد أن من ركن المسجد المشار إليه مما يلي عرفة إلى محاذاة العلمين الموجودين الآن: سبعمائة ذراع -بتقديم السين- وأربعة وسبعين ذراعا -بتقديم السين- أيضا وربع ذراع وثمن ذراع كل ذلك بذراع الحديد يكون ذلك بذراع اليد: ثمانمائة ذراع وخمسة وثمانين ذراعا، ومقتضى كون هذه الأعلام علامة لحد عرفة أن يكون المسجد المشار إليه ليس من عرفة، وكذلك المسافة التي بين المسجد وبين الأعلام المشار إليها، وذلك يخالف ما ذكره الفقهاء المشار إليهم، والله أعلم بالصواب.