للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الحادي عشر: في ذكر قتل بني قريظة بالمدينة]

قال ابن إسحاق: ولما انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون، ووضعوا السلاح أتى جبريل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتمًّا بعمامة من إستبرق على بغلة عليها قطيفة من ديباج، فقال: أوَقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: "نعم" فقال: ما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله عز وجل يأمرك بالسير إلى بني قريظة؛ فإني عامد إليهم فمزلزل بهم، فأذَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس: من كان سامعا ومطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة، وأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون، فمر بنفر من أصحابه فقال: هل مر بكم أحد فقالوا: مر بنا دحية الكلبي على بغلة عليها قطيفة من ديباج، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ذاك جبريل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم"، وأتاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون ونزل عليهم، وحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتواثبت الأوس، وقالوا: يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج فهبهم لنا، فقال: "ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منهم"، قالوا: بلى، قال: "فذلك إلى سعد بن معاذ"، وكان سعد في خيمة في المسجد يداوى جرحه، فأتاه الأوس، فأركبوه، وأتوا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري، فقال -صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ١ "، ثم استنزلوا بني قريظة من حصونهم، فحبسوا بالمدينة في دار امرأة من بني النجار، ثم خرج -صلى الله عليه وسلم- إلى سوق المدينة، فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم، فجيء بهم، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، وكانوا سبعمائة وفيهم حيي بن أخطب النضري الذي حرضهم على نقض العهد وعلى محاربة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة؛ فإنها كانت طرحت رحى على خلاد بن سويد من الحصن، فقتلته، فقتلها النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان النبي قد قتل منهم كل من أنبت، ومن لم ينبت استحياه ثم قسم الرسول أموالهم ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأنزل الله في بني قريظة وأمر الخندق الآيات من سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} إلى قوله: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [٩-٢٧] الآية.

ولما فرغ -صلى الله عليه وسلم- من شأن بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ، فمات منه شهيدًا، وروي أن جبريل أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل فقال: يا محمد من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فقام -صلى الله عليه وسلم- سريعا يجر ثوبه إلى سعد، فوجده قد مات.


١ أي سماوات.

<<  <  ج: ص:  >  >>