أنس بن أوس بن عتيك، وعبد الله بن سهل، والطفيل بن النعمان، وثعلبة بن عنمة، وكعب بن زيد أصابه سهم فقتله، وسعد بن معاذ عاش حتى قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- بني قريظة بحكمه، واستجاب دعاءه، ثم قبض شهيدا، وسيأتي ذكر وفاته، وأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فيما وصف الله تعالى من الخوف والشدة؛ لتظاهر عدوهم عليهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم، حتى هدى الله نعيم بن مسعود أحد غطفان للإسلام؛ لإنفاذ أمره سبحانه في نصر نبيه وإقامة دينه؛ فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:"إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا إن استطعت؛ فإن الحرب خدعة"، فخرج حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديمًا في الجاهلية فقال: يا بني قريظة قد عرفتم ودي وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت لست عندنا بمتهم، فقال: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، ولا تقدرون على أن تحولوا عنه إلى غيره، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره، فليسوا كأنتم؛ فإن رأوا نهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنًا منهم أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه، قالوا: لقد أشرت بالرأي، ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لهم: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت عليَّ حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا عني، قالوا: نفعل، قال: تعلمون أن اليهود قد ندموا على ما صنعوه فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ من القبيلتين قريش وغطفان رجالًا من أشرافهم فنعطيكم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي حتى تستأصلهم، فأرسل إليهم: نعم، فإن بعثت إليكم يهود تطلب منكم رجلا واحدا فلا تدفعوه، ثم خرج فأتى غطفان فقال لهم مثل ما قال لقريش، فأرسلت قريش إلى يهود أن اغدوا للقتال حتى نناجز محمدا، فقالوا: لسنا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا، فقالت قريش وغطفان: إن الذي حدثكم نعيم لحق، ثم أرسلوا إلى قريظة إنا لن ندفع إليكم أحدا؛ فإن أردتم أن تقاتلوا فقاتلوا، فقالت قريظة: إن الذي قال لكم نعيم لحق، وخذل الله بينهم وبعث عليهم الريح في ليالٍ باردة شديدة البرد، فجعلت تكفئ قدورهم وتطرح أبنيتهم، فرجعوا إلى بلادهم وكان مجيئهم وذهابهم في شوال سنة خمس من الهجرة.
قلت: والخندق اليوم باقٍ وفيه قناة تأتي من عين بقباء إلى النخل الذي بأسفل المدينة بالسيح حوالي مسجد الفتح وفي الخندق نخل قد انطم أكثره وتهدمت حيطانه.