قال ابن إسحاق: وحكت ابنة بشير بن سعد قالت: دعتني أمي فأعطتني حفنة من تمر في ثوب ثم قالت: اذهبي إلى أبيك وخالك بغدائهما، قالت: فأخذتها، فانطلقت بها، فمررت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ألتمس أبي وخالي فقال:"تعالي يا بنية ما هذا معك؟ ". قالت: قلت: يا رسول الله، هذا بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة؛ يتغديانه، قال:"هاتيه". قالت: فصببته في كفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما ملأتهما ثم أمر بثوب، فبسط له، ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب ثم قال لإنسان عنده:"اصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغداء"، فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق وإنه ليسقط من أطراف الثوب.
وروى جابر بن عبد الله أن صخرة اشتدت عليهم، فشكوها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعا بإناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ثم نضح ذلك على تلك الصخرة، فانهالت حتى عادت كالكثيب ما ردت فأسا ولا مسحاة.
ولم يزل المسلمون يعملون فيه وينقلون التراب على أكتافهم حتى فرغوا منه وأحكموه، وأقبلت قريش ومن تبعها في عشرة آلاف حين نزلت بمجتمع السيول من رومة، وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد، وخرج رسول الله في ثلاثة آلاف حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع، وضرب عسكره والخندق بينه وبين القوم وأمر بالذراري والنساء فجعلوا في الآطام، وخرج حيي بن أحطب النضري حتى أتى قريظة في دارها، وسألهم أن يكونوا معهم على حرب رسول الله؛ فذكروا أن بينهم وبينه عقدا وحلفا، فلم يزل بهم حتى نقضوه وأجابوه إلى حرب محمد -صلى الله عليه وسلم، فبعث سعد بن معاذ وجماعة معه إليهم؛ لينظروا صحة ذلك، فأتوهم فوجدوهم على أخبث مما بلغهم، فنالوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، فشاتمهم سعد وشاتموه، ثم أقبل بمن معه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبروه، فعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وآتاهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق حتى قال معتب بن قشير: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط، فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقام المشركون عليه بضعا وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلا النبل والرمي والحصار إلا فوارس من قريش فإنهم قاتلوا فقتلوا وقتلوا، ولما وقفوا على الخندق قالوا: إن هذه المكيدة ما كانت العرب تكيدها؛ ويقال: إن سلمان أشار به على النبي -صلى الله عليه وسلم- ورمي سعد بن معاذ بسهم فقطع أكحله فقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهد من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه؛ اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة. واستشهد يومئذ من المسلمين ستة نفر من الأنصار منهم