للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنه في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة سمعوا صوت هدة في الحجرة، وكان الأمير قاسم بن مهنا الحسيني فأخبروه بالحال؛ فقال: ينبغي أن ينزل شخص إلى هناك لينظر ما هذه الهدة وافتكروا في شخص يصلح لذلك؛ فلم يجدوا إلا عمر النساي١ شيخ من شيوخ الصوفية بالموصل، وكان مجاورا بالمدينة؛ فذكروا ذلك له؛ فذكر أن به فتقا والريح والبول تحوجه إلى الغائط مرارا فألزموه فقال: أمهلوني حتى أروض نفسي، وقيل إنه امتنع من الأكل والشرب وسأل الله إمساك المرض بناه عمر ودخل منه إلى الحجرة ومعه شمعة يستضيء بها فرأى شيئا من طين الثقف قد وقع على القبور فأزاله وكنس التراب بلحيته، وقيل إنه كان مليح الشيبة وأمسك عز وجل ذلك الداء بقدر ما خرج من الموضع، وعاد إليه وهذا ما سمعته من أفواه جماعة، والله أعلم بحقيقة الحال في ذلك، وفي شهر ربيع الآخر من سنة أربع وخمسين وخمسمائة في أيام قاسم أيضا وجد من الحجرة رائحة منكرة وكثر ذلك حتى ذكروه للأمير؛ فأمرهم بالنزول إلى هناك فنزل بيان الأسود الخصي أحد خدم الحجرة الشريفة، ومعه الصفي الموصلي متولى عمارة المسجد ونزل معهما هارون الشاوي الصوفي بعد أن سأل الأمير في ذلك في الحاجز بين الحجر والمسجد، وكان نزولهم يوم السبت الحادي عشر من ربيع الآخر، ومن ذلك التاريخ إلى يومنا هذا لم ينزل أحد إلى هناك٢.


١ وفي وفاء الوفاء وخلاصة الوفا: النساء والصحيح ما هنا. وقد توفي عام ٦٥٦هـ.
٢ وفي عهد الأشرف قايتباري رئي احتياج المسجد النبوي إلى العمارة؛ وذلك عام ٨٨١هـ. ففعل ذلك وجدد رخام الحجرة الشريفة وجدد الكثير من بنائها وكان ختم هذا البناء في يوم الخميس سابع شوال عام ٨٨١هـ "٢١٦-٢٢٠ خلاصة الوفا". وقد أقام من قبل الملك العادل نور الدين الشهيد خندقا مملوءا من الرصاص حول الحجرة الشريفة؛ وذلك عام ٥٥٧هـ. هذا وقد احترق المسجد النبوي أول ليلة الجمعة أول رمضان عام ٦٥٤هـ، ولم يسلم من الحريق سوى القبة التي أحدثها الخليفة الناصر لدين الله لحفظ ذخائر الحرم النبوي عام ٥٧٦هـ، ووقع السقف الذي كان على أعلى الحجرة على سقف بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فوقعا جميعا في الحجرة الشريفة؛ فكتبوا للخليفة المستعصم وابتدئ بالعمارة عام ٦٥٥هـ، وشارك فيها صاحب مصر المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك الصالحي وصاحب اليمن المظفر شمس الدين يوسف بن المنصور عمر بن علي بن رسول، ثم لما عزل ملك مصر عام ٦٥٧هـ، وتولى مكانه المظفر قطز المعزى، ولما قتل عام ٦٥٨ تولى مكانه بيبرس وشارك هؤلاء جميعا في العمارة الشريفة، ولم يظل المسجد على هذه العمارة الجديدة؛ حتى جدد السقف الغربي والسقف الشرقي في أوائل دولة الناصر محمد بن قلاوون الصالحي؛ فجعلا سقفا واحدا؛ وذلك في سنتي خمس وست وسبعمائة، ثم أمر الناصر عام ٧٢٩هـ بزيادة رواقين متصلين بمؤخر السقف القبلي فاتسع سقفه بهما وعم نفعه؛ إذ صار فيه سبعة أروقة وكان عددها خمسة كالشمالي، ثم حصل في هذين الرواقين خلل فجددهما الأشرف برسباي عام=

<<  <  ج: ص:  >  >>