للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفضل من مكة، من ذلك الحديث الذي أخرجه الحاكم في مستدركه على الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين خرج من مكة إلى المدينة: "اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إليَّ فأسكني أحب البلاد إليك" ١. الحديث، قال فيه ابن عبد البر: إنه لا يصح ولا يختلف أهل العلم في نكارته ووضعه ... انتهى.

وعلى تقدير صحته فلا دلالة فيه لمن استدل به على ما ذكره المحب الطبري، لأنه لما ذكر اختلاف العلماء في تفضيل المدينة على مكة في الفصل الذي عقده لفضل مسجد المدينة والصلاة فيه، قال: وما احتجوا به من قوله صلى الله عليه وسلم: "أخرجتني من أحب البلاد أو البقاع إلي فأسكني في أحب البقاع إليك" محمول على أنه أراد أحب البقاع إليك بعد مكة، بدليل حديث النسائي وابن حبان المتقدم في فضل مكة، يعني حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء، فإنه دل على أنها أحب أرض الله إلى الله، على أن هذا الحديث نفسه لا دلالة فيه، لأن قوله: وأسكني في أحب البقاع إليك، هذا السياق يدل في العرف على أن المراد بعد مكة، فإن الإنسان لا يسأل عما خرج منه، فإن قال: أخرجتني فأسكني، يدل على إرادة غير الخروج منه، فيكون مكة مسكوتا عنها في الحديث ... انتهى.

وحديث رافع بن خديج رضي الله عنه: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المدينة خير من مكة" كما في معجم الطبراني٢، قال فيه ابن عبد البر ضعيف الإسناد ولا يحتج به، وقيل: إنه موضوع، وذكره الذهبي في "فضل البلدان" وقال: حديث واه منكر، وهذان الحديثان أشهر الأحاديث المستدل بها على أن المدينة أفضل من مكة، وممن قال بذلك: الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- وأصحابه، خلا من ذكرنا، ونقل القاضي عياض ذلك عن عمر بن الخطاب وبعض الصحابة وأكثر أهل المدينة٣، والله أعلم.

ولا ريب في أن مكة والمدينة أفضل من سائر البلاد، لإجماع الناس على ذلك، كما ذكره القاضي عياض، كما أن بيت المقدس أفضل من سائرها بعد مكة والمدينة للإجماع، ومستند الإجماع في ذلك: أحاديث مشهورة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، والله أعلم.


١ مستدرك الحاكم ٣/ ٣.
٢ أخرجه الطبراني بلفظ "المدينة خير من مكة" وفيه "محمد بن عبد الرحمن بن داود" وهو مجمع على ضعفه. ذكر ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد ٣/ ٢٩٩.
٣ إعلام المجد "ص: ١٨٦"، المحلى ٧/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>