رضي الله عنه فيشبه أنهم لما دخلوا الكعبة أغلقوا الباب واشتغلوا بالدعاء، فرأى: أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ثم اشتغل أسامة في ناحية من نواحي البيت والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية أخرى، وبلال قريب منه، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال رضي الله عنه لقربه منه، ولم يره أسامة لبعده واشتغاله بالدعاء، وكانت صلاته خفيفة فلم يرها أسامة لإغلاق الباب، مع بعده واشتغاله بالدعاء وجائز له نفيها عملا بظنه، وأما بلال فتحققها وأخبر بها، والله أعلم ... انتهى من شرح مسلم.
وقال في "المجموع" وهو "شرح المهذب": قال العلماء: الأخذ برواية بلال رضي الله عنه في إثبات الصلاة أولى لأنه مثبت وقدم على النافي، فإن بلالا رضي الله عنه كان قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى معه، وراقبه في ذلك فرآه يصلي، وكان أسامة رضي الله عنه متباعدا مشتغلا بالدعاء والباب مغلق ولم ير الصلاة، فوجب الأخذ برواية بلال رضي الله عنه، لأنه معه زيادة علم ... انتهى.
وقال المحب الطبري: وقد اختلف بلال وأسامة رضي الله عنهما في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في البيت، وحكم العلماء بترجيح حديث بلال، لأنه أثبت، وضبط ما لم يضبطه أسامة رضي الله عنه والمثبت مقدم على النافي، ثم قال: ويحتمل أن يكون أسامة غاب عنه بعد دخوله لحاجة فلم يشهد صلاته.
وقد روى ابن المنذر عن أسامة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأي صورا في الكعبة، فكنت آتيه بماء في الدلو يضرب به الصور.
فأخبر أنه كان خرج لنقل الماء، وكان ذلك في يوم الفتح، وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة إنما كانت يوم الفتح لا في حجة الوداع. وقال أبو حاتم بن حبان: والأشبه عندي أن يحتمل الخبران على دخولين متغايرين أحدهما: يوم الفتح وصلى فيه. والآخر: في حجة الوداع ولم يصل فيه من غير أن يكون بينهما تضاد ... انتهى.
وقال القاضي عز الدين بن جماعة في هذا المعنى فيما أخبرني به خالي عنه: قال يعني أحمد بن حنبل حدثنا هشيم، قال: أنبأنا عبد الملك، عن عطاء، قال: قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فجلس فحمد الله وأثنى عليه، وكبر، وهلل، وخرج ولم يصل، ثم دخلت معه في اليوم الثاني، فقام ودعا، ثم صلى ركعتين، ثم خرج فصلى ركعتين خارجا من البيت مستقبل وجه الكعبة، ثم انصرف وقال: هذه القبلة.
وكذلك رواه أحمد بن منيع في مسنده، والدارقطني وغيرهم، وهو كلام شاف كاف في الجمع بين الأحاديث، فنحمد الله على التوفيق للجمع به، فإن ذلك من أجلّ الفوائد.