وهذا الإسناد وإن صح ففيه نظر، لأن رواية هشيم له شهادة على ما ذكر شيخنا الحافظ العراقي عن بعض مشايخه، ونقل عنه تضعيف حديث الفضل، وأيضا، فإن للحديث الذي يرويه مسلم مزية في الصحة على ما يرويه غيره من الأحاديث الصحيحة غير ما في صحيح البخاري، فإنه أميز في الصحة مما في مسلم عند محققي أهل الحديث، وعلى تقدير ثبوت دخول الفضل رضي الله عنه الكعبة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذكر معه، وثبوت حديثه في نفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة في دخوله إليها يوم الفتح، فلا معارضة بين حديث الفضل وبلال في الصلاة المشار إليها، لأن نفي الفضل رضي الله عنه له إنما هو باعتبار كونه لم يرها لا باعتبار كونها لم تقع، لأنا روينا في تاريخ الأزرقي، عن عبد المجيد بن أبي داود: أن الفضل رضي الله عنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة يوم الفتح وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم فجاء بذنوب من ماء زمزم ليطمس به الصور التي في الكعبة١. قال عبد المجيد: فصلى خلافه ولذلك لم يره صلى.
وروينا فيه أيضا ما يؤيد ذلك، لأن فيه من حديث الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح، وأرسل الفضل بن عباس فجاء بماء زمزم، ثم أمر بثوب فبل الماء، فأمر بطمس تلك الصور١ ... انتهى.
فتكون صلاته صلى الله عليه وسلم كانت في الكعبة يوم الفتح حين غاب الفضل رضي الله عنه- للأمر الذي ندبه إليه، ويتفق بذلك خبره مع خبر بلال، والله أعلم.
وأما ترجيح خبر بلال رضي الله عنه على خبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما- في نفيه لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فلأن بلالا رضي الله عنه حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى، وشاهد صلاته، وأخبر بها، وابن عباس رضي الله عنهما- لم يحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم واعتمد في كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة على خبر أسامة رضي الله عنه- له بذلك كما ثبت في صحيح مسلم، ورواية من حضر القصة مقدمة على من غاب عنها، وقد أشار إلى ترجيح خبر بلال على خبر الفضل بن عباس وأخيه عبد الله رضي الله عنهم بما ذكره شيخنا الحافظ العراقي رحمة الله عليه.