وقد استدل به على تفضيل الطواف على الصلاة: الماوردي، وسليمان بن خليل.
وقال المحب الطبري لما تكلم على هذا الحديث بعد أن ذكر كيفية قسمة الرحمات بين كل فريق: إذا تقرر ذلك، فالتفضيل في الرحمات بين المتعبدين بأنواع العبادات الثلاث أدل دليل على أفضلية الطواف على الصلاة، والصلاة على النظر إذا تساووا في الوصف، هذا هو المتبادر إلى الفهم عند سماع ذلك فيختص به١.
ومما ورد من الأحاديث المتقدمة في ذكر فضل الطواف عموم قوله صلى الله عليه وسلم:"واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة"، "الصلاة خير موضوع". أو يقول: الطواف نوع من الصلاة بشهادة ما تقدم من الأحاديث في أركان الشروط، فيكون داخلا في عموم حديث تفضيل الضلاة على سائر أعمال البدن، ولا ينكر أن بعض الصلاة أفضل من بعض، وأورد على ذلك سؤالا وأجاب عنه، ثم قال: ووجه تفضيل هذا النوع من الصلاة وهو الطواف على غيره من الأنواع: ثبوت الأخصية له بمتعلق الثلاثة، وهو البيت الحرام ولا خفاء بذلك، ولذلك بدأ في الذكر هنا وفي قوله تعالى:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} في الآيتين، ولما كانت الصلاة على تنويعها لم تشرع إلا عبادة، والنظر قد يكون عبادة إذا قصد التعبد به، وقد لا يكون، وذلك إذا لم يقترن به قصد التعبد به تأخر في المرتبة.
وقولنا: إذا تساووا في الوصف يحترز مما إذا اختلف وصف المتعبدين، فكان الطائف ساهيا غافلا، والمصلي والناظر خاشعا يعبد الله كأنه يراه، أو كأن الله يراه، كان المتصف بذلك أفضل من غير المتصف به، إذ ذلك الوصف لا يعد له عمل جارحة خاليا منه وهو المشار إليه -والله أعلم- في قوله تعالى:{إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}[الأعراف: ١٧٠] . وسئل صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال:"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، وكثير من العلماء يذهب في توجيه اختلاف القسم بين الطائفين، والمصلين، والناظرين: بأن الرحمات المائة والعشرين قسمت ستة أجزاء، فجعل جزء للناظرين، وجزآن للمصلين، لأن المصلي ناظر في الغالب، فجزء للنظر، وجزء للصلاة، والطائف لما اشتمل على المعاني الثلاثة، كان له ثلاثة أجزاء: جزء للنظر، وجزء الصلاة وجزء للطواف، وهذا القائل لا يثبت للطواف أفضلية على الصلاة وإنما يثبت بقوله:"كثرة الرحمات له"! بسبب اشتماله على الصلاة وما ذكرناه أولى، وفيما ذكره نظر، فإن الطائف الأعمى، وكذلك المصلي ينالهما ما يثبت للطائف والمصلي، وإن لم ينظرا، وكذا المتعمد ترك النظر فيها لا ينتقص قسمه بسبب ذلك، فدل ذلك على أن المراد صلاة غير ركعتي الطواف. فإن كثرة الطواف منسوبة إليه إما وجوبا أو ندبا، فهي منه. وأما النظر فيه: فإن لم يقترن بقصد التعبد فلا أثر له، وإن قصد به التعبد، فالظاهر أنه