وقال أبو عبيد البكري في كتابه "المسالك والممالك": وحدث جماعة: أن في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة انكسرت من الركن اليماني فلقة قدر أصبع، وغفل الناس عن شدها فصارت عند قوم من أهل مكة من الحسنيين، فوقع بمكة وباء عظيم عام، وموت، وكان لا يلبث المريض فوق ثلاثة أيام، وهلك من أهل الدار الذي اتهم أن الفلقة فيها ثمانية عشر إنسانا، فرأي بعض الصالحين المجاورين من أهل خراسان في نومه أن يتفقد ما ذهب من الكعبة ويرد فيرفع الله عنهم الوباء، فردت إلى موضعها فارتفع الوباء١.
هذا ما علمته من التوهن الذي أصاب الكعبة، ولا تزال إن شاء الله باقية إلى أن ينفذ فيها أمر الله من تخريب الحبشي لها في آخر الزمان كما سبق بيانه في "الباب الثامن".
ومن الآيات المتعلقة بالكعبة المعظمة على ما قال الحافظ: أنه لا يرى البيت الحرام أحد ممن لم يكن يره إلا ضحك أو بكى.
ومنها: أن الفرقة من الطير من الحمام وغيره ليقبل حتى إذا كادت تبلغ الكعبة انفرقت فرقتين فلم يعْلُ ظهرها شيءٌ منها. ذكر ذلك الجاحظ، وقال: قالوا.
وذكر ذلك أبو عبيد البكري جزما، لأنه قال: ومن عجائب مكة: أن الحمام وجميع الطير تمر في طيرانها، فإذا قارب أن تحاذي الكعبة أخذت يمينا وشمالا.
ومنها: على ما قال الجاحظ: أنه لا يسقط على ظهر الكعبة من الحمام الذي قد أمن إلا وهو عليل أو مريض ... انتهى.
وذكر ابن الحاج معنى هذا، لأنه قال لما ذكر الآيات المتعلقة بالبيت: ومنها: أن الطائر لا يعلو البيت صحيحا، ويعلوه مريضا للشفاء.
وذكر ذلك أبو عبيد البكري، لأنه قال: ومن عجائب مكة أن الحمام وجميع الطير لا يعلوها البتة ولا ينزل على جدرها إلا أن يكون مريضا، فيفعل ذلك مستشفيا، والطير ينزل على سائر جدر المسجد، وقبة زمزم وغيرها.
وذكر بعضهم أن الطير إذا نزل على الكعبة إما يشفى أو يموت لحينه، وذكر هذه الآية المحب الطبري قال: ولولا ذلك لكانت ستارته يعني البيت الحرام مملوءة من قذرهن كنجوها، مما يتعذر الجلوس عليه.
ومنها: على ما ذكر ابن الحاج عن بعض المفسرين: أن الغيث إذا كان ناحية الركن اليماني كان الخصب باليمن، وإذا كان ناحية الشامي كان الخصب بالشام، وإذا عم البيت كان الخصب بجميع البلدان. وذكر ذلك أيضا المحب الطبري بمعناه.