للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن الناس حديثو عهد بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع" قال عطاء: وزاد فيه: "خمسة أذرع من الحجر"، حتى أبدى أساسها ونظر إليه الناس، فبنى عليها البناء١ ... انتهى.

وذكر الفاكهي حديثا فيه ما يقتضي أن الذي تركته قريش من الكعبة في الحجر أربعة أذرع، لأنه روى حديثا قال فيه: ولقد دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى بنيانه قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "لولا حداثة قومك بالكفر لهدمته وبنيته على بناء إبراهيم، ولجعلت له بابين، ولأدخلت أربعة أذرع من الحجر فيه، وذلك أن أربعة أذرع من الحجر من البيت" ٢ ... انتهى.

وفي إسناد هذا الحديث من لا أعرفه وإنما ذكرناه لغرابته، وسيأتي إن شاء الله في مقدار ما تركته قريش من الكعبة في الحجر وغير ذلك.

والأحاديث الصحيحة التي أشرنا إليها تقتضي أن بعض الحجر من البيت لا كله، كما قال بعضهم فيما حكاه المحب الطبري، وتمسك قائل ذلك بما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجر، أمن البيت؟ قال: "نعم". قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: "إن قومك قصرت بهم النفقة" ٣ الحديث ... انتهى.

وحديثها هذا لا يعارض أحاديثها التي ذكرناها، لأن حديثها هذا مطلق، وأحاديثها الأخرى مقيدة، والمطلق يحمل على المقيد، وقد أشار إلى ذلك هنا الشيخ محب الدين الطبري، لأنه قال: والأصح أن القدر الذي فيه من البيت سبعة أذرع، وقد جاء مصرحا به في الحديث عن عائشة رضي الله عنها فذكر عنها ما سبق بالمعنى مختصرا. ثم قال: فيحمل المطلق فيما تقدم على هذا، وإطلاق اسم الكل على البعض جائز على سبيل المجاز المطلق فيما تقدم على هذا، وإطلاق اسم الكل على البعض جائز على سبيل المجاز المستحسن، ذكر ذلك في "شرحه للتنبيه"، وقال في "القرى" بعد أن ذكر ما استدل به من يرى أن الحِجر من البيت، ومن يرى أن بعضه من البيت: وفي هذه الأحاديث دلالة على أن بعض الحجر من البيت، ومن يرى حمل المطلق على المقيد يقول: مطلق هذه الأحاديث المتقدمة في الفصل قبله منزلة على هذا، ومن لا يراه عمل بها٤ ... انتهى.

قلت: يدل لمجمل حديث عائشة رضي الله عنها المطلق على أحاديثها المقيدة: أن العلة في حديثها المطلق، هي العلة في أحاديثها المقيدة، وهي ترك قريش بعض


١ أخرجه: مسلم "الحج: ١٣٣٣".
٢ أخبار مكة للفاكهي ٥/ ٢٢٨، والحديث رواه البخاري ٣/ ٤٣٩، وفتح الباري ٣/ ٤٤٣.
٣ أخرجه: البخاري "١٥٨٤"، ومسلم "٣/ ٢٧٣،
٤ القرى "ص: ٥١٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>