للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الكعبة، فأكثر الروايات في ذلك، وهي نحو سبعة أذرع كما في الصحيحين، والله أعلم.

وإنما نبهنا على ذلك، لأن كلام الشيخ تقي الدين بن الصلاح يوهم خلاف ذلك على ما نقله عنه النووي في "الإيضاح" ونص كلامه: وأما حديث عائشة: فقد قال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمة الله عليه فقد اضطربت فيه الروايات ففي رواية في الصحيحين: "الحجر من البيت" وروي: "ستة أذرع من الحجر من البيت"، وروي: "ستة أذرع أو نحوها"، وروي: "خمسة أذرع"، وروي: "قريبا من سبع". قال: وإذا اضطربت الروايات تعين الأخذ بأكثرها؛ ليسقط الفرض بيقين ... انتهى.

وهذا من ابن الصلاح والنووي على أن الطواف لا يصح إلا من وراء الحجر جميعه.

وذكر النووي أن هذا المذهب هو الصحيح، وعليه نص الشافعي قال: وبه قطع جماهير العلماء من أصحابنا وهذا هو الصواب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف خارج الحجر، وهكذا الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم من بعدهم ... انتهى.

قلت: يمكن الانفصال عن استدلال النووي بطواف النبي صلى الله عليه وسلم خارج الحجر على وجوب الطواف من خارج الحجر، وذلك أن الأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وسلم في حَجِّهِ لا تخلو من أمرين:

أحدهما: أن يكون فعلُها مطلوبا على سبيل الوجوب، والإخلالُ بشيء منها مبطلٌ للحج.

والآخر: أن يكون فعلها مطلوبا، ولكن بعضها يطلب وجوبا، وبعضها يطلب ندبا، وتمييز الواجب من المندوب دليل خارج والأول لا سبيل إليه، والثاني حق. وإذا تقرر ذلك فطواف النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر لا يكون دليلا على وجوب الطواف هكذا لما وقع من التزام أن بعض أفعاله صلى الله عليه وسلم في الحج واجب، وبعضها ليس بواجب، ولا يمكن أن يقوم دليل على وجوب الطواف خارج الحجر إذا قطع النظر عن الاستدلال بطواف النبي صلى الله عليه وسلم هكذا إلا أن يكون حديث عائشة رضي الله عنه "الحجر من البيت" وفي الاستدلال به نظر، لما تقدم بيانه من أنه مطلق حمل على أحاديثها المقيدة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم فيها مقدار ما في الحجر من البيت كما سبق بيانه، فبان بهذا الانفصال عن استدلال النووي على وجوب الطواف من خارج الحجر بطواف النبي صلى الله عليه وسلم. هكذا لعدم نهوض الدلالة من فعله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>