للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم وسعه أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس من جانبه الشامي ومن جانبه الغربي إلى أن أوصله إلى ما هو عليه اليوم، إلا أنه بلغ فيما وسعه من الجانب الغربي إلى باب بني جمح، الذي هو فيه الآن في محاذاته فيما أحسب الزيادة المعروفة بزيادة باب إبراهيم، ولم يجعل فيما وسعه من الجانبين إلا رواقا واحدا، وكان ابتداء عمل ذلك في المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة١، والفراغ منه في ذي الحجة سنة أربعين ومائة. وكان الذي زاد فيه المنصور الضعف مما كان عليه قبل٢.

ثم وسعه المهدي بن أبي جعفر المنصور، من أعلاه ومن الجانب اليماني، ومن الموضع الذي انتهى إليه أبوه في الجانب الغربي، حتى صار على ما هو عليه الآن، خلا الزيادتين فإنهما أحدثتا بعده، كما سيأتي في خبرهما إن شاء الله تعالى. وكان توسعته له في نوبتين: الأولى في سنة إحدى وستين ومائة٣، وفيها زيد فيما زاد أبوه في المسجد رواقان، والثانية في سنة سبع وستين، وكان أمر بها لما حج حجته الثانية في سنة أربع وستين، ولم تكمل هذه الزيادة إلا في خلافة٤ ابنه موسى الهادي لمعاجلة المنية للمهدي بالاخترام، وكان مما عمل بعد موته بعض الجانب اليماني وبعض الغربي، وذلك من الأساطين الحجارة في الجانب اليماني إلى الموضع الذي انتهى إليه عمل المنصور في الجانب الغربي.

وأنفق المهدي في توسعة المسجد الحرام وعمارته أموالا عظيمة المقدار، لأن ثمن كل ذراع مكسر دخل في المسجد الحرام خمسة وعشرون دينارا، وثمن كل ذراع مكسر دخل في الوادي، خمسة عشر دينارا، ونقل إليه أساطين الرخام من الشام وغيرها، حتى أنزلت بجدة، وحملت منها على العجل إلى مكة، إلى غير ذلك من الأمور التي عظمت فيها نفقته، ولم يكن له في ذلك نظير، عظم الله له الأجر واسمه الآن مكتوب في مواضع من المسجد الحرام، منها: قرب المنارة المعروفة بمنارة باب علي التي فيها الميل، وما ذكرناه من حال المسجد الحرم في ابتدائه وتوسعته حتى صار إلى ما هو عليه الآن، خلا الزيادتين، فهو ملخص بالمعنى، مختصر مما ذكره الأزرقي في هذا الأمر.

وذكر في أخبار عمارته من غير توسعة فيه، أن عبد الملك بن مروان رفع جدرانه وسقفه بالساج، وجعل في رأس كل أسطوانة خمسين مثقالا ذهبا، وعمره عمارة حسنة.


١ إتحاف الورى ٢/ ١٧٣، وذكر أن ذلك كان في سنة ١٣٨هـ، وهو كذلك في أخبار مكة للأزرقي ٢/ ٧٢، وفي المنتظم ذكر ذلك في حوادث سنة ١٣٩هـ.
٢ تاريخ الطبري ٩/ ٢١٧، ومروج الذهب ٤/ ٤٠١، والكامل لابن الأثير ٥/ ١٩٧، ودرر الفرائد "من: ٢٠٩".
٣ أخبار مكة للأزرقي ٢/ ٧٦، وإتحاف الورى ٢/ ٢٠٨.
٤ أخبار مكة للأزرقي ١/ ٣٦٠: "في زمن ابنه موسى".

<<  <  ج: ص:  >  >>