وقد رتبه الفاسي على أربعين بابا ألم فيها بجميع ما يتصل بتاريخ مكة من قريب أو بعيد منذ الجاهلية حتى عصره، وذكر تاريخ المسجد الحرام وبنائه وعمارته في مختلف العصور، متحدثا عن الملامح الجغرافية والتاريخية، والسياسية والاجتماعية للجزيرة العربية في شتى العصور، مع تنويهه بفضائل الكعبة والأعمال المتعلقة بها، والمواضع المباركة في مكة وحرمها، كالمدارس والربط وغير ذلك، مضيفا إلى ذلك كله ما وصل إلى علمه من أخبار ولاة مكة في الإسلام على سبيل الإجمال، محررا ذرع الكعبة والمسجد الحرام، جامعا لأشتات من الفوائد والأحداث التاريخية التي لم يدونها الأزرقي والفاكهي "المتوفى عام ٢٨٠هـ" في كتابيهما، ويقول الفاسي: إن ما ذكراه هو الأصل الذي بنى عليه كتابه، وإن في كتاب الفاكهي محمد بن إسحق بن العباس المكي أمورا كثيرة مفيدة ليست مما يتضمنها كتاب الأزرقي، وقد عاش الأزرقي والفاكهي في المائة الثالثة من الهجرة، وتأخر الفاكهي عن الأزرقي قليلا، ولم يؤلف أحد بعدهما في تاريخ مكة وولاتها وفضلائها إلا القليل، إلى أن جاء الفاسي فألف كتابه هذا الذي عد مرجعا خطرا في تاريخ البلد الحرام، وخاصة منذ القرن الرابع إلى التاسع الهجري.
وقد رتب الفاسي كتابه ترتيبا شيقًا، وتحدث فيه عن مكة وحرمها، والآثار المروية فيها، ووصف الكعبة وعمارتها، ومصلى الرسول صلى الله عليه وسلم في الكعبة، وثواب دخول الكعبة المعظمة وفضائلها، والآيات المتعلقة بها، وأخبار الحجر الأسود والملتزم والأماكن الشريفة بمكة ومقام إبراهيم وحجر إسماعيل، وتكلم عن توسعة المسجد الحرام وعمارته ووصف عمده وعقوده وشرفاته وقناديله وأبوابه ومنابره، وتحدث كذلك في الكتاب عن أخبار زمزم والأماكن التي لها تعلق بالمناسك، وما بني بمكة من المدارس والربط والسقايات والآبار والعيون، وتحدث عن أخبار مكة في الجاهلية، وعلى عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وذكر أسماء أولاد إسماعيل، وولاية ذرية معد بن عدنان على مكة وولاية جرهم وخزاعة وقريش، مستقصيا أخبار قريش بمكة في الجاهلية، متوسعا في أخبار بني قصي ومآثرهم في الجاهلية، وأجواد قريش وحكامهم في الجاهلية، ثم يذكر فتح مكة وولاتها في الإسلام وأخبارها بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتحدث في الباب الأربعين عن الأصنام التي كانت حول مكة، وأخبار أسواق مكة في الجاهلية والإسلام، وبذلك ينتهي هذا الكتاب القيم.
وترجع أهمية هذا الكتاب التاريخية إلى استقصائه واستيعابه وجمعه لشتى الأخبار التي تتعلق بمكة مما لم يجمعه مدون بعد الأزرقي والفاكهي.
وقد تأثر بالفاسي المؤرخون الذين أتوا بعده وألفوا في أخبار مكة والبيت الحرام، مثل: المؤرخ جمال الدين محمد بن ظهيرة القرشي في كتابه "الجامع اللطيف، في فضل