للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بضم العين وفتح الراء والنون قال المحب قلت: وفيما ذكره نظر، لأنه أراد تحديد عرفة أولا وآخرا، فجعله من الجبل المشرف على بطن عرنة بالنون، فيكون آخره ملتقى وصيف، وبطن عرفة بالفاء، ولا يصح أن يكون وادي عرفة بالنون، لأن وادي عرنة لا ينعطف على عرفة، بل هو ممتد مما يلي مكة يمينا وشمالا، فكان التقييد بوادي عرفة أصح، والله أعلم، قال: وهذا التحديد يدخل عرنة في عرفة ... انتهى.

وقال المحب الطبري أيضا في "القرى": قال الشافعي في الأوسط من مناسكه: وعرفة ما جاوز وادي عرنة وليس الوادي ولا المسجد منها، إلى الجبال المقابلة مما يلي حائط ابن عامر وطريق الحضن، وما جاوز ذلك فليس من عرنة، حكى ذلك صاحب "الشامل"، وحكى الشيخ أبو حامد الأسفراييني الشافعي: أن الشافعي قال في القديم: وعرفة ما بين الجبل المشرف إلى الجبال المقابلة يمينا وشمالا، ثم قال يعني الشيخ أبا حامد الجبل المشرف على بطن عرنة إلى الجبال المقابلة يمينا وشمالا مما يلي حوائط ابن عامر وطريق الحضن، قال المحب الطبري بعد حكايته لذلك قلت: وهذا موافق لما حكاه الشيخ أبو حامد، إلا أنه أضاف الجبل المشرف إلى بطن عرنة فكأنه يشير إلى الجبل الطويل في آخر عرفة. حتى يكون مشرفا على أول عرفة، وهذا مغاير لما ظنه الشيخ أبو حامد أنه جبل الرحمة، وما ذكره في "البيان" هو الصواب.

والحمل على جبل الرحمة لا يصح، لأن عرفة يطيف بها، ولو جعلنا الخندمة لخرج ما خلفه من عرفة ولا خلاف عند أهل الخبرة بها أنها منه، ولذلك يقف فيما خلفه من السهل والجبل طوائف من أنواع العرب متطابقين على ذلك من غير إنكار، ويكون ذكره صاحب "البيان" من الإضافة إلى بطن عرفة١ يريد به عرفة موضع الوقوف، ولعله وسطها، حتى يكون بطنا، وربما صحف قوله: بطن عرفة بالفاء، فقيل بطن عرنة بالنون، وظن أن التقييد بالفاء غلط، وليس كذلك، بل هي بطن عرفة بالبفاء، واستدل على ذلك بما يؤيده ... انتهى.

قلت: وحد عرفة من جهة مكة الذي فيه هذا الاختلاف الآن بَيّنٌ، وهو علمان بين العلمين اللذين هما حد الحرم إلى جهة عرفة، وكان ثمة ثلاثة أعلام، فسقط أحدهم وهو إلى جهة المغمس وأثره بين، ورأيت عنده حجرا ملقى مكتوبا فيه: أمر الأمير الأصفهسلار الكبير مظفر الدين بن زين الدين صاحب إربل حسام أمير المؤمنين بإنشاء هذه الأعلام الثلاثة بين منتهى أرض عرفة ووادي عرنة، لا يجوز لحاج بيت الله العظيم أن يجاوز هذه الأعلام قبل غروب الشمس. وفيه: كان ذلك بتاريخ شعبان من شهور سنة خمس وستمائة. ورأيت مثل ذلك مكتوبا في حجر ملقى في أحد العلمين الباقيين، وفي هذين العلمين مكتوب، أمر بعمارة علمي عرفات، وأضاف كاتب ذلك: هذا الأمر للمستنصر العباسي، ثم قال: وذلك في شهور سنة أربع وثلاثين وستمائة٢.


١ كذا في الأصل.
٢ إتحاف الورى ٣/ ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>