وقد سبق في ذكر عرنة ما ذكره الأزرقي في حد عرفة، واستدلال المحب الطبري منه على دخول عرنة في عرفة، ثم قال تلو ذلك: ويؤيد ذلك ما استدل به أصحابنا على أنها ليست منها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"وارتفعوا عن بطن عرنة". ولا دلالة فيه على ما قالوه، بل دليل على مذهب مالك، فإن أمره بالارتفاع عنها يشعر بذلك، وتؤيده الرواية الأخرى:"عرفة كلها موقف إلا عرنة"، والاستثناء دليل على دخول المستثنى في المستثنى منه، والاستثناء المنفصل على خلاف الأصل.
نعم فيه دليل على اختلاف حكم الوقوف فيه وفي عرفة، وهو عند مالك كذلك، وعلى المذهب: فمتى وقف في شيء من حدود عرفة صح حجه. وإذا وقف في غيره لا يصح حجه ... انتهى.
وعرنة بضم العين وفتح الراء المهملة هذا هو المشهور فيها. وقيل: إنها بضم العين والراء. وقيل: بضم العين وسكون الراء، ذكره ابن عبد السلام المالكي في شرحه لابن الحاجب الفرعي.
الرابع عشر: قُزَح، الموضوع الذي يستحب فيه للحاج أن يقف عنده غداة يوم النحر، هو مكان بالمزدلفة، وهو المكان الذي يجتمع الناس عنده للدعاء غداة يوم النحر، ويعرف بالمشعر الحرام. أشار إلى ذلك المحب الطبري وغيره، قال في "شرح التنبيه": وقزح بقاف مضمومة ثم زاي مفتوحة ثم حاء مهملة، في وسطه: مزدلفة، ويكثر من التلبية، ويدعو بما تقدم، ولا ينبغي أن يفعل ما تطابق الناس على فعله من النزول بعد الوقوف عليه من درج في وسطه ضيقة يزدحم فيها الناس. وذلك بدعة. بل يكون نزوله من حيث رقيه من الدرج الظاهرة.
وذكر الإمام أبو عمرو بن الصلاح: أن قزح جبل صغير من آخر المزدلفة ثم قال: وقد استبدل الناس بالوقوف على الموضع الذي ذكرناه ببناء مستحدث في وسط المزدلفة. ولا يتأدى به هذه السنة، قال المحب: والظاهر أن البناء إنما هو على الجبل كما تقدم، والمشاهدة تشهد بصحة ذلك، ولم أر ما ذكره لغيره ... انتهى ما ذكره المحب الطبري بنصه، وذكر في كتابه "القرى" مثله١.
وذكر النووي في "الإيضاح" أن الأظهر أن للحاج تحصيل السنة بالوقوف على البناء المستحدث. وقد ذكرنا في أصل هذا الكتاب صفة البناء الذي على قزح قديما وحديثا، وخبر الوقيد فيه، ونشير هنا إلى شيء من ذلك.