للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني. وما ذكرناه في تعريف كداء هذا، ذكر الفاكهي ما يوافقه لأنه قال في تعريفه لما في شق معلاة مكة الشامي كداءك الجبل المشرف على المقبرة والوادي، وله يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه يوم الفتح:

عدمت ثنيتي إن لم تروها ... تثير النقع عن كتفي كداء١

وقال الفاكهي بعد أن ذكر شعب المقبرة في هذه الجهة وشيئا من خبره: ومن ثنية المقبرة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع٢.

وقال بعضهم: قيل: إن ثنية المقبرة هو اسمها، يقال لها: ثنية المقبرة، ويقال اسمها هذا، وهي ثنية المعلاة ... انتهى. ويقال: اسمها كداء، وهو مشعر بتضعيف هذه المقالة، لكونها حكيت بصيغة التمريض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان دخل من هذه الثنية إلى مكة في حجة الوداع تعين أن تكون هذه الثنية كداء، لأن الأخبار وافرة صحيحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم حين حج من المدينة دخل إلى مكة من كداء.

وفي تاريخ الأزرقي ما يوافق ما ذكره الفاكهي من دخول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من هذه الثنية٣، وذلك يقتضي أن تكون هذه الثنية: كداء، للمعنى السابق، والله أعلم.

وفي كلام غير واحد من المتأخرين تسمية هذه الثنية كداء، منهم: سليمان بن خليل، والمحب الطبري، والنووي، وقال المحب: هي بالفتح والمد تصرف على إرادة الموضع، وبتركه على إرادة البقعة ... انتهى.

وقد ذكر الأزرقي شيئا من خبر هذه الثنية، وهي الآن يحاميم الأحداب التي بين دار السري إلى ثنية المقبرة، وهي التي قبر أمير المؤمنين أبي جعفر بأصلها، قال: يعرفها باليحاميم وأولها القرن الذي بثنية المدنيين على رابية بيوت ابن أبي حسين النوفلي، والذي يليه القرن المشرف على دار منارة الحبشي فيما بين ثنية المدنيين وهي التي كان ابن الزبير مصلوبا عليها، وكان أول من سهلها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ثم عملها عبد الملك بن مروان، ثم كان آخر من بنى ضفائرها ودرجها وجدرها٤ المهدي ... انتهى.

وذكر ذلك الفاكهي إلا أنه لم يجزم بكون معاوية رضي الله عنه أول من سهل هذه الثنية وحكاه بصيغة التمريض، وقال أيضا: ويقال إن ابن الزبير أول من سهلها ...


١ هكذا ورد في النسختين، والصحيح أن روايته هكذا:
عدمنا خيلنا إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء
وسيأتي البيت صحيحا بعد قليل، وفي أخبار مكة للفاكهي كما أثبتناه "٤/ ١٨٠".
٢ أخبار مكة للفاكهي ٤/ ١٧٩.
٣ أخبار مكة للأزرقي ٢/ ٢٨٦.
٤ في أخبار مكة للأزرقي ٢/ ٢٨٦: "جددها".

<<  <  ج: ص:  >  >>