فهذا يخالف ما في خبر ابن عباس -رضي الله عنهما- السابق؛ لأن فيه: ثم جاء إبراهيم بهاجر وابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد. ووجه المخالفة بين ظاهر؛ لأن موضع الحجر غير موضع زمزم.
وذكر الإمام المسعودي ما يخالف ما ذكره ابن عباس -رضي الله عنهما- وما ذكره أبو جهم بن حذيفة وابن إسحاق في موضع إنزال إبراهيم لابنه إسماعيل وأمه هاجر واستودعهما خالقه على حسب ما أخبر الله سبحانه وتعالى، وأنه أسكنهما بواد غير ذي زرع١. وكان موضع البيت ربوة حمراء، أمر إبراهيم هاجر أن تتخذ عليه عريشا يكون لها سكنا وكنا ... انتهى.
فتحصل من هذا الموضع الذي أنزل إبراهيم ابنه إسماعيل وأمه ثلاثة أقوال: هل هو في موضع الحجر على ما ذكر أبو جهم وابن إسحق؟ أو فوق زمزم على ما ذكره ابن عباس -رضي الله عنهما؟ أو في موضع البيت على ما ذكر المسعودي؟ والله أعلم.
ومنها: أن الفاكهي روى بسنده من طريق الواقدي عن أبي جهم بن حذيفة خبرا ذكر فيها نفاذ الماء الذي كان مع أم إسماعيل -عليهما السلام- وتطلبها للماء حين عطش ابنها إسماعيل، وسقي الله لها، وأخرج جبريل -عليه السلام- لهما الماء في موضع زمزم، وغير ذلك، وفيه قال: قال: ويقبل غلامان من العماليق يريدان بعيرين لهما قد أخطآه وقد عطشا، وأهلهما بعرفة، فنظرا إلى طير يهوي قبل الكعبة فاستنكرا ذلك، وقالا: أنى يكون هذا الطير على غير ماء؟. قال أحدهما لصاحبه: كما ترى هذا الطير يذهب إلى غير ماء؟ قال الآخر: فأمهل حتى نبرد ثم نسلك في مهوى أو مهد قبيس؛ فنظرا إلى الماء وإلى العريش، فنزلا وكلما هاجر سألاها متى نزلت؟ فأخبرتهما، وقالا: لمن هذا الماء؟ فقالت لي، ولابني؛ فقالا: ومن حفره؟ فقالت: سقيا الله -عز وجل-، فعرفا أن أحدا لا يقدر على أن يحفر هنالك ماء، وعهدها بما هنالك قريب وليس به ماء؛ فرجعا إلى أهلهما من ليلتهما وأخبراهم، فتحولوا حتى نزلوا معها على الماء وأنست بهم ومعهم الذرية؛ نشأ إسماعيل -عليه السلام- مع ولدانهم، وكان إبراهيم -عليه السلام- يزور هاجر كل شهر على البراق، يغدو غدوة فيأتي مكة، ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام. يزور هاجر كل شهر على البراق، يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقبل في منزله بالشام، ونظر من هنالك من العماليق وإلى كثرتهم وعمارة الماء فسر بذلك ... انتهى.