للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجدعة١ بنت وعلان بن جوشم من جلهمة بن جرهم؛ فلما حضر نزارا الموت جمع بنيه هؤلاء الأربعة فقال: أي بني، هذه القبة الحمراء -وهي من أدم- وما أشبهها من المال فلمضر، وهذه البدرة والمجلس والأنمار فلأنمارا، وهذا الفرس الأدهم والخباء الأسود وما أشبهها من مال فلربيعة، وهذا الخادم -وكانت شمطاء- وما أشبهها من مال فلإياد، وإن أشكل عليكم كيف تقتسمون، فأتوا الأفعى الجرهمي ومنزله بنجران، وإن أنتم رضيتم -وهنا قد خفت صوته إذ لم يسمع الصوت فألمع- ثم مات، فتشاجروا في ميراثه ولم يهتدوا إلى القسم، فتوجهوا إلى الأفعى يريدونه وهو بنجران؛ فرأى مضر أثر بعير قد رعى، فقال: إن الذي رعى هذا الموضع لبعير أعور، فقال ربيعة: أنه الأزور، فقال إياد: إنه لأبتر؛ فقال أنما: إنه لشرود، فساروا قليلا، فإذا برجل يوضع على جمله، فسألهم عن البعير، فقال مضر: أعور؟ قال: نعم، قال ربيعة: أزور؟ قال: نعم، قال إياد: أبتر، قال: نعم، قال أنمار: شرود؟ قال: نعم؛ فسألهم عن البعير، وقال: هذه صفة بعيري، فدخلوا نجران؛ فقال صاحب البعير: هؤلاء أصابوا بعيري؛ وصفوا لي صفته وقالوا: لم نره؛ فاختصموا إلى الأفعى -وهو يومئذ حكم العرب- فاختصموا إلى الأفعى، وهو يومئذ حكم العرب؛ فأخبروه بقولهم، فحلفوا له ما رأوه؛ فقال الرجل: قد نعتوا لي صفة بعيري قال الأفعل لمضر كيف عرفت أنه أعور قال إنه رعى جانبا وترك جانبا فعرفت أنه أعور فقال لربيعة: كيف عرفت أنه أزور؟ قال: رأيت إحدى يديه ثابته الأثر، والأخرى فاسدة الأثر؛ فعرفت أنه أفسدها بشدة وطئه؛ فقال لإياد: كيف عرفت أنه أبتر؟ قال: باجتماع بعره ولو كان ذيالا لمصع٢، فقال لأنمار: كيف عرفت أنه شرود؟ قال: إنه رعى في المكان المكيء، ولم يجزه إلى مكان أغرز منه نبتا؛ فقال الرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه، ثم سألهم من أنتم؟ فأخبروه، فرحب بهم، وأخبروه ما جاء بهم، فقال: تحتاجون إلي وأنتم كما بدا لي؟! فذبح لهم وأقاموا عنده، ثم قام إلى خازن له يستحثه الطعام، ثم جلس معهم، ثم أكلوا وشربوا، وتنحى عنهم الأفعى؛ حيث لا يرى وهو يسمع كلامهم؛ فقال ربيعة: لم أر كاليوم لحما أطيب منه، لولا أن شاته غذيت بلبن كلبة؛ فقال مضر: لم أر كاليوم خمرا، لولا أن حبلته نبتت على قبر؛ فقال إياد: لم أر كاليوم رجلا أسرى، لولا أنه ليس لأبيه الذي يدعى إليه؛ فقال أنمار: لم أر كاليوم كلاما أنفع في حاجتنا. وكان كلامهم بإذنه؛ فقال: ما هؤلاء إلا شياطين؛ فدعى القهرمان فقال: أخبرني خبر هذه الكرمة؛ فقال: من حبلة غرستها على قبر أبيك، وسأل الراعي عن العناق؛ فقال: هي عناق أرضعتها بلبن كلبة. ولم يكن ولد في الغنم غيرها، وماتت أمهال، ثم أتى أمه فقال:


١ عند ابن الأثير ٢/ ٩٢: الجدالة، وكذلك عند الطبري ٢/ ٢٦٨.
٢ يقال: مصعت الناقة بذنبها؛ أي حركته وضربت به.

<<  <  ج: ص:  >  >>