للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محل في كتب العلماء، وأيضا فعقد الهدنة إنما يكون بسؤال من اضطر إليها، والاضطرار إليها في الفتح للمشركين، لوفور قوة المسلمين يومئذ، ولم يسأل المشركون ذلك مشافهة ولا مراسلة، لأنه لم يحضر عند النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران- ممن كان على الشرك- غير أبي سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وكان معهما بديل بن ورقاء الخزاعي، ولم يكن حضورهم إليه لأداء رسالة عن قريش، وإنما قريش بعثتهم ليتحسسوا لهم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما ذكره ابن إسحق، فإنها غيبت عليهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل- عند توجهه من المدينة أن تعمى الأخبار عن قريش حتى يبغتها في دارها، فاستجاب الله -عز وجل- دعوته، ولم يشعر بهم أحد من أهل مكة، إلا وهم بمر الظهران، وكانوا في وجل من النبي صلى الله عليه وسلم لنقضهم عهد الحديبية، لأن بعضهم قاتل ليلا مع كنانة خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم، ورفد بعضهم كنانة بالسلاح١.

وذكر موسى بن عقبة ما يقتضي أن بعض المسلمين أخذوا أبا سفيان ومن معه قهرا، وأحضروهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلموا، وأن أبا سفيان وحكيما سألا النبي صلى الله عليه وسلم الأمان لمن كف من قريش عن قتاله، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، والذي حملهم على ذلك الرغبة فيما يصلح لقومهما، ولم يكن لمن خرج مخرجهما أن يعقد على من وراءه، عقد هدنة إلا بعد إعلام من وراءه بما رأى، وأن يثق منهم في ذلك الرضا، وقد أنكر بعض العلماء أن يكون أهل مكة عقدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلحا عند فتحها، لأنه ذكر أن حال أهل مكة جرى في أرضها، وفي أنفسهم، وفي أموالهم، مجرى حال أهل الصلح، لا أنهم عقدوا معه صلحا، إذا لم يأت أثر في شيء من هذا بمصالحتهم إياه، وبالله التوفيق ... انتهى بلفظه إلا قليلا فبالمعنى، وهذا في شرح مسلم للإمام المازري، أو للقاضي عياض، على الشك مني لبعد العهد بذلك، والله أعلم.

وقد ذكر النووي -رحمه الله- حجة الشافعي -رضي الله عنه- على جواز بيع دور مكة وإجارتها، فقال: قوله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن". استدل به الشافعي وموافقوه على أن دور مكة مملوكة يصح بيعها وإجارتها، لأن أصل الإضافة إلى الآدميين يقتضي الملك وما سوى ذلك مجاز ... انتهى.

وفي هذا الاستدلال نظر لأنه ليس في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان" إشعار بإضافة غيرها من دور مكة لأهلها من مسلمة الفتح، حتى تكون دورهم مملوكة لهم، كملك أبي سفيان، وإذا كان كذلك لم ينهض من قوله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان" دلالة على ملك غير أبي سفيان من مسلمة الفتح لدورهم بمكة، لكون ذلك لا


١ الروض الأنف ٢/ ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>