للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجب: جمادين. ويقولن لشعبان: رجب، ولشهر رمضان: شعبان، ويقولون لشوال: رمضان، ولذي القعدة شوال، ولذي الحجة: ذو القعدة، ولصفر الأول -وهو المحرم الشهر الذي أنسأه- ذو الحجة، فيحجون تلك السنة في المحرم، ويبطل من هذه السنة شهرا ينسئه.

ثم يخطبهم في السنة الثانية في وجه الكعبة أيضا، فيقول: أيها الناس لا تحلوا حرماتكم، وعظموا شعائركم، فإني أجاب ولا أعاب، ولا يعاد لي قول قلته١. اللهم إني قد أحللت دماء المحلين: طيء وخثعم في الأشهر الحرم.

وإنما أحل دماءهم لأنهم كانوا يعدون على الناس في الأشهر الحرم من بين العرب، فيعزونهم ويطلبون بثأرهم ولا يعفون عن حرمات الأشهر الحرم كما يفعل غيرهم من العرب، وكان سائر العرب من الحلة والحمس لا يعدون في الأشهر الحرم على أحد، ولو لقي أحدهم قاتل أبيه أو أخيه، ولا يستاقون مالا إعظاما للشهور الحرم، إلا خثعم وطيء فإنهم كانوا يغزون في الأشهر الحرم، فهنالك يحرمون من تلك السنة الشهر المحرم، وهو: صفر الأول، ثم يعدون الشهور على عدتهم التي عدوها في العام الأول، فيحجون في كل شهر حجتين.

ثم ينسأ في السنة الثانية، فينسأ صفر الأول في عدتهم هذه، وهو: الصفر الآخر في العدة المستقيمة؛ حتى تكون حجتهم في صفر أيضا٢، وكذلك الشهور كلها، حتى يستدير الحج في كل أربع وعشرين سنة إلى المحرم الذي ابتدأوا منه الإنساء، ويحجون في الشهور كلها في كل شهر حجتين؛ فلما جاء الله -عز وجل- بالإسلام أنزل الله -عز وجل- في كتابه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: ٣٧] الآية ... انتهى باختصار٣.

وقال السهيلي: وأما نسأهم الشهر الحرام؛ فكان على ضربين، أحدهما: ما ذكره ابن إسحاق من تأخير شهر المحرم إلى صفر، لحاجتهم إلى شن الغارات وطلب الثارات.

والثاني: تأخيرهم الحج عن وقته تحريا منهم للسنة الشمسية؛ فكانوا يؤخرونه في كل عام أحد عشر يوما، أو أكثر قليلا، حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة، فيعود إلى وقته، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض" ٤.

وكانت حجة الوداع في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته، ولم يحج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة غير تلك الحجة التي تسمي حجة الوداع؛ وذلك لإخراج الكفار الحج عن وقته، ولطوافهم بالبيت عراة، والله أعلم؛ إذ كانت مكة بحكمهم حتى فتحها الله على نبيه ... انتهى٥.


١ في أخبار مكة للأزرقي ١/ ١٨٣: "ولا يعاب لقول قلته".
٢ عند الأزرقي ١/ ١٨٥: إضافة "حجتين".
٣ أخبار مكة للأزرقي ١/ ١٨٣-١٨٥.
٤ أخرجه البخاري "٤٦٦٢"، مسلم "القسامة بباب تغليظ تحريم الدماء والأموال ٥/ ١٠٧".
٥ الروض الأنف ١/ ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>