للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عمرو بن ربيعة أول من غير دين إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وأنه خرج إلى الشام، واستخلف على البيت رجلا من بني عبد بن ضخم، يقال له: آكل المروة١، وعمرو يومئذ وأهل مكة على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

فلما تقدم الشام نزل البلقاء٢؛ فوجد قوما يعبدون أوثانا، فقال: ما هذه الأنصاب التي أراكم تبعدون؟ فقالوا: أربابا نتخذها، ونستنصر بها على عدونا فننصر، ونستشفي بها من المرض فنشفي، فوقع قولهم في نفسهم. فقال: هبوا لي منها واحد نتخذه ببلدي؛ فإني صاحب بيت الله الحرام، وإلى وفد العرب من كل صوب، فأعطوه صنما يقال له: هبل؛ فحمله حتى نصبه للناس بمكة، فتابعته العرب على ذلك.

وذكر بقية الخبر، وقد سبق في القول الرابع في سبب خروج جرهم.

وذكر الأزرقي شيئا من خبر عمرو بن لحي، وأبان فيه غير ما سبق؛ لأنه روي خبرا طويلا في ولاية خزاعة بعد جرهم؛ وفي الخبر: فتزوج لحي -وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر- فهيرة بنت عامر بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي ملك جرهم؛ فولدت له عمرا، وهو عمرو بن لحي، وبلغ -بمكة وفي العرب- من الشرف ما لم يبلغ عربي قبله ولا بعده في الجاهلية، وهو الذي قسم بين العرب في حطمة حطموها عشرة آلاف ناقة، وقد كان أعور عشرين فحلا، وكان الرجل في الجاهلية إذا ملك آلأف ناقة فقا عين فحل إبله؛ فكان قد فقا عشرين فحلا، وكان أول من أطعم الحاج بمكة سدائف الإبل ولحمانها على الثريد، وعم في تلك السنة جميع حاج العرب بثلاثة أثواب من يرود اليمن.

وكان قد ذهب شرفه في العرب كل مذهب، وكان قوله فيهم دينا متبعا لا يخالف، وهو الذي بحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحام، وسيب السوائب، ونصب الأصنام حلو الكعبة، وجاء بهبل من "هيت" من أرض الجزيرة؛ فنصبه في بطن الكعبة، فكانت قريشا والعرب تستقسم عنده بالأزلام، وهو من غير الحنيفية دين إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وكان أمره بمكة في العرب مطاعا لا يعصى.

وكان بمكة رجل٣ من جرهم على دين إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- وكان شاعرا، فقا لعمرو بن لحي حين غير دينه الحنيفية:

يا عمرو لا تظلم بمكة ... إنها بلد حرام

سائل بعاد أين هم ... وكذلك تخترم الأنام


١ كذا بالأصل: وصوابها آكل المرار "المحبر ٣٦٨".
٢ البلقاء: هي ما تسمى اليوم بالأردن.
٣ هو الحارث بن مضاض.

<<  <  ج: ص:  >  >>