للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذكرت ذلك لملكهم عمرو بن عامر، وأرته لذلك علامات، ومنها: جزر يحفر في السد؛ فلما تحقق لك كتمه عن قومه، وعزم على الانتقال من بلاده بمكيدة دبرها، وهو أنه قال لأصغر ولده: إذا تحدثت بحضرة الناس رد على حديثي؛ فأظهر الغضب عليك وألطمك، فافعل بي مثل ذلك، ثم عمل عمرو وليمه عظيمة، ودعا أهل مآرب؛ فلما اجتمعوا عنده تحدث، فجاراه ولده الحديث؛ ورد عليه، فغضب أبوه ولطمه، ففعل به الولد مثل ذلك. فأظهر عمرو أنه يريد قتله، فلم يزل الناس به حتى كفوه عنه؛ فقال: لا أقيم ببلد يلطم فيه وجهي أصغر ولدي -وقيل: إن الذي فعل به ذلك، يتيم كان في حجره -وعرض عمرو أمواله للبيع؛ فقال بعض أشراف قومه: اغتنموا غضبه عمرو واشتروا منه قبل أن يرضى، ففعلوا؛ فلما صار الثمن إليه أخبر الناس بشأن سيل العرم وخرج من بلاده١.

وذكر ابن هشام أنه انتقل في ولده، وولد ولده، قال: قالت الأسد -يعني الأزد: لا نتخلف عن عمرو بن عامر؛ فباعوا أموالهم وخرجوا معه، فساروا حتى نزلوا بلاد عك٢ مجتازين يرتادون البلدان، فحاربتهم عك، فكانت حربهم سجالا؛ ففي ذلك قال عباس بن مرداس البيت الذي كتبناه، يعني قوله:

وعك بن عدنان الذين بغوا ... بغسان حتى طردوا كل مطرد

ثم ارتحلوا عنه فتفرقوا في البلدان، فنزل جفنة بن عمرو بن عامر الشام، ونزلت ثم ارتحلوا عنه فتفرقوا في البلدان، فنزل جفنه بن عمرو بن عامر الشام، ونزلت الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة مرا، ونزلت أسد السراة، ونزلت أزد عمان٣ ... انتهى.

وقال شارح القصيدة العبدونية: ولما خرج عمرو بن عامر بن اليمن، خرج لخروجه منها بشر كثير، فنزلوا أرض عك، فحاربتهم عك، ثم اصطلحوا، وتفرقوا فيها حتى مات عمرو بن عامر، فتفرقوا في البلاد ... انتهى.

وإنما ذكرنا هذا الكلام لإفادته حال قبائل عمرو ببلاد عك، ما لم يفده كلام ابن هشام، وليس ما ذكره من إقامتهم ببلاد عك، حتى مات عمرو بمقتضى لطول إقامتهم يستلزم قصر المدة؛ لأنه يمكن أن يكون عمرو مات في زمن الارتياد، والله أعلم.

نعم في كلام الأزرقي ما يقتضي أنه لم يقهرهم أحد، وذلك يخالف ما ذكره ابن هشام والشارح، وقد رأيت أن أذكر كلامه لهذا المعنى، ولإفادته أمورا أخر، من حال


١ مروج الذهب ٢/ ١٨٨، ١٨٩.
٢ "عك" بلاد بين اليمن والحجاز.
٣ سيرة ابن هشام ١/ ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>