للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى غروب الشمس يضربون الكوسات ويتعرضون للعراقي، وينادون: يا ثارات ابن المقدم؛ فأرسل ابن فراس أباه شيخا كبيرا إلى أقسيس، وأخبره بما يجب من طاعة الخليفة وما يلزمه في ذلك من الشناعة؛ فيقال إنه أن في صعود العلم قبيل الغروب، وقيل: لم يأذن، قال: وبدا من أقسيس هذا في تلك السنة جبروت عظيم، حكى لي شيخنا جمال الدين الحصيري قال: رأيت أقسيسا قد صعد على قبة زمزم، وهو يرمي حمام مكة بالبندق، قال فرأيت غلمانه في المسعى يضربون الناس بالسيوف في أرجلهم، ويقولون: اسعوا قليلا قليلا فإن السلطان نائم سكران في دار السلطنة التي بالمسعى، والدم يجري من سيقان الناس.

قلت: واستولى أقسيس هذا على مكة وأعمالها، وأذل المفسدين فيها وشتت شملهم، وهو الذي بنى القبة على ماقام إبراهيم عليه السلام، وكثر الجلب إلى مكة من مصر واليمن في أيام، فرخصت الأسعار، ولعظم هيبته قلت الأشرار وأمنت الطرق والديار١ ... انتهى.

وذكر ابن الأثير ما يقتضي أن حج الملك المسعود ومنعه من طلوع علم الخليفة كان في سنة ثمان عشرة وستمائة؛ بعد ذكره لشيء من خبر قتادة وابنه حسن، وخبر أقباش: وفي هذه السنة حج بحجاج الشام كريم الدين الخلاطي، وحضر الملك المسعودي صاحب اليمن مكة، ومنع أعلام الخيفة من الطلوع إلى جبل عرفات، ومنع حاج العراق من الدخول إلى مكة يوما واحدا، ثم بعد ذلك لبس خلعة الخليفة، واتفق الأمر، وفتح باب مكة، وحج الناس، وطابت قلوبهم٢ ... انتهى.

وهذ الذي ذكره ابن الأثير من منع الملك المسعودي للحاج العراقي من دخول مكة، لم أره لغيره، والله أعلم ... انتهى.

ومنها: أن أبا شامة قال في أخبار سنة إحدى سنة إحدى وعشرين وستمائة: وهي أول السنين الأربع المتصلة التي وجدت الحج فيها هنيئا مريئا من رخص الأسعار، والأمن في الطرق الشامية وبالحرمين، أما في المدينة: فسببه أن أميرها كان من أتباع صاحب الشام الملك المعظم عيسى؛ فكان يدور الحرس على الحج الشامي ليلا وأما بمكة: فسببه أنها صارت في المملكة الكاملية المسعودية، فانقمع بها المفسد، وسهل على الحجاج أمر دخول الكعبة، فلم يزل بابها مفتوحا ليلا ونهارا مدة مقام الحج فيها، وكان الكامل قد


١ إتحاف الورى ٣/ ٣٧، الذيل على الروضتين "ص: ١٣٢".
٢ الكامل ١٢/ ١٧٠، العقد الثمين ٤/ ١٧٠، مفرج الكروب ٤/ ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>