للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعرفوه بذلك، فبدا منه مثل ما بدا من صاحب مكة، وأجاب إلى ما سئل فيه من إطلاق الذي أدبه على أن يفصل صاحب مكة ما يحصل به الطمأنينة للحجاج من الحث على رعايتهم، وغير ذلك؛ فوافق على ذلك صاحب مكة، وبعث ولده السيد أحمد إلى أمير المحمل، فخلع عليه، وسكنت الخواطر بذلك، وباع الناس واشتروا، وحصل في الفريقين جراحات كثيرة، مات بها غير واحد من الفريقين، ولا أعلم أن المسجد الحرام انتهك نظير هذا الانتهاك من بعد الفتنة المعروفة بفتنة قندس، في آخر سنة إحدى وستين وسبعمائة إلى تاريخه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ومنها: أنه في هذه السنة حصل اختلاف كثير في تعيين الوقفة؛ لأن جمعا كثيرا من القادمين إلى مكة في البر والبحر وبعضا من مكة، ذكروا أنهم رأوا هلال ذي الحجة ليلة الاثنين، ولم ير ذلك غالب أهل مكة ولا غالب الركب المصري؛ فوقع الاتفاق على أن الناس يخرجون إلى عرفة في بكرة يوم الثلاثاء من ذي الحجة على مقتضى رؤية الثلاثاء، ففعلوا ذلك، وصار معظم الحاج إلى عرفة من غير نزول بمنى؛ فبلغوها بعد دخول وقت العصر، وتخلف غالب المكيين بمكة إلى وقت الظهر، وتوجهوا إلى عرفة من غير نزول بمنى؛ فلما كانوا بالمأزمين: مأزمي عرفة -وتسمي الناس هذا الموضع: المضيق خرج عليهم بعض الحرامية، فقتلوا وجرحوا ونهبوا، وعقروا الجمال، وكنا بالقرب ممن أصابه هذا البلاء؛ فلطف الله تعالى، ولم يصبنا مثل الذي أصابهم، ووصلنا إلى عرفة، ووصل بعدنا إليها أناس آخرون، وأقمنا بها مع الحجاج بقية ليلة الأربعاء، ويوم الأربعاء حتى الغروب، ونفرنا مع الحجاج إلى المزدلفة، وبتنا بها إلى قريب الفجر، وسرنا إلى منى حتى انتهينا إليها في بكرة يوم الخميس. وحصل بمنى في ليلة الأربعاء وليلة الخميس نهب كثير وجراحات في الناس، ولم يحج في هذه السنة من أهل مكة إلا القليل. ونفر الحجاج أجمعهم في بكرة يوم النفر الثاني، ونزلوا قريبا من التنعيم، ولم يخرجوا بعد طوافهم للوداع إلا من باب المعلاة؛ لإغلاق باب الشبيكة دونهم، وسافر الأمير وأعيان الحاج وهم متأثرون لذلك ونسأل الله تعالى أن يحسن العاقبة.

وفي هذه السنة حج ركب من بغداد بمحمل على العادة، ولم يعملوا في المسجد الحرام ختمة على العادة، لرحيلهم بأثر رحيل الحجاج المصريين والشاميين خوفا من زيادة الغرامة في المكس١.

ومنها: أنه في سنة ثمان عشرة وثمانمائة أقام الحجاج بمنى حتى طلعت الشمس على ثبير من يوم عرفة، وصلوا بها الصلوات الخمس وأحيوا هذه السنة بعد إماتتها دهرا طويلا، والله يثبت الساعي في ذلك٢ آمين.


١ درر الفرائد "ص: ٣٢٠".
٢ إتحاف الورى ٣/ ٥٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>