للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالناس أمام زيادة دار الندوة بالجانب الشامي من المسجد الحرام؛ لتعذر الصلاة عليه بمقام إبراهيم وما يليه هناك؛ فلما انقضت صلاته للصبح حمل الفراش الشمع ليوصله إلى القبة المعدة لذلك، بين سقاية العباس، وقبة زمزم؛ فإذا الماء في صحن المسجد يعلوه قليلا قليلا، ولم يتمكن من إيصال الشمع للقبة إلا بعسر، وكان بعض أهل السقاية بها؛ فدخل عليه الماء من بابها، ثم زاد فرقى على دكة هناك، ثم زاد فرقى على صندوق وضعه فوق الدكة، فبلغه الماء، فخاف وخرج من السقاية فارا إلى صوب الصفا، وما نجا إلا بجهد، وكان السيل قد دخل المسجد الحرام، وقل أن يعهد دخول الماء منه، وصار المسجد مغمورا بالماء الكثير المرتفع نحو القامة، وكان به خشب كالصندوق الكبير ليس له رأس يستره، كان فوق بعض الأساطين التي أزيلت في هذه السنة لعمارتها؛ فأخذه بعض الناس وركب فيه، وصار يقذف به، حتى أخرج به من السيل الجديد عند زمزم شخصا كان بالسيل متعلقا ببعض شبابيك السبيل خوفا من الغرق، لما دخل الماء السبيل، ووصلا فيه للمحل الذي أرادا، وفعل مثل ذلك بغير واحد، وما خرج السيل من المسجد حتى هدمت عتبة باب إبراهيم لعلوها، وألقى السيل في المسجد لأجله، وأفسد الناس أشياء كثيرة من المتاجر في الدرر التي بمسيل وادي مكة بناحية سوق الليل والصفا، والمسفلة، وما مات فيه أحد فيما علمناه ولكن مات في هذه الليلة أربعة نفر بمكان يقال له: "الطنبداوية" بأسفل مكة، بصاعقة وقعت عليهم هناك؛ فسبحان الفعال لما يريد.

ومما تخرب بهذا السيل: موضع الدرب الجديد بسور باب المعلاة وألقاه للأرض، وما بين هذا الباب والباب القديم، وذلك ثمانية وعشرون ذرعا١.

ومنها: سيل يقارب هذا السيل، دخل المسجد الحرام من أبوابه التي بالجانب اليماني، وقارب الحجر الأسود؛ زاده الله شرفا، وألقى بالمسجد من الأوساخ والزبل شيئا كثيرا، وذلك بعد المغرب من ليلة ثالث جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة، عقيب مطر عظيم، وكان ابتداؤه بعد العصر من ثاني الشهر المذكور، وأخرب هذا السيل باب الماجن، وجانبًا كبيرًا من سورة، ثم عمر ذلك، والله أعلم٢.

ولا شك أن الأخبار في هذا المعنى كثيرة، ولكن لم نظفر منها إلا بهذه النبذة اليسيرة.


١ إتحاف الورى ٣/ ٥٨٨.
٢ إتحاف الورى ٣/ ٦٠٧، السلوك للمقريزي: ٤/ ٢: ٦٦٣، العقد الثمين ١/ ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>