ذلك في قيل وقال إلى اليوم الثالث عشر من توليته فوقع الاتفاق بينهم وزينوا لذلك مكة حسب عادتهم ثلاث ليالي واطمأنت القلوب وراقت الأفكار ودام السرور وزالت الأحزان، والناس مستبشرون بتوليته؛ غير أنه لم تأته الخلعة السلطانية إلا بعد مضي ستة أشهر وهذه هي الولاية الأولى له؛ فلما أهل شهر رجب وقع في رابعه بين جماعة الشريف سعد وجماعة الشريف حمواد النزاع مرة أخرى واشتد الأمر وتجمعت القبائل والعساكر وتراموا بالبندق، ومات نحو أربعة رجال اثنان منهم خطأ، ودام ذلك بينهم ليلتين ويوما وبعض يوم، ثم وقع الصلح ونودي بالأمن والحمد لله إلى صبيحة اليوم السادس والعشرين من رجب؛ فجاء التأييد والخلع السلطانية بإمارة مكة للشريف سعد المذكور فحصل بها غاية السرور ونودي بالزينة سبع ليال وأعطى عسكره في ذلك اليوم ألفي دينار وخلع على كثير من خدامه، واستمر الأم إلى شهر ذي القعدة فحصل أيضا بين الشريف سعد والشريف حمود تنافر وكلام من جهة المعلوم وخرج لذلك من مكة؛ فلما كان الثالث والعشرون من الشهر المذكور أرسل خدامه إلى الطرقات ينتهبون ما يجدون فبالغوا في ذلك وجمعوا أموالًا كثيرة من القوافل وغيرهم؛ حتى إنهم أخذوا فرسا لبعض خدام الشريف وأرسل لهم عند ذلك عسكرا فلم يجدوهم، واستمر أمرهم كذلك إلى زمن الحج فلم يقع منهم أذية للحجاج؛ غير أن أهل مكة وقراها والعرب لم يحج منهم إلا القليل، وبعد انقضاء الحج طلبوه للصلح وحضر القاضي فلم يقع الصلح وذكر أنه متوجه إلى مصر وخرج مع الأمير المصري إلى بدر فتخلف فيها، ثم انتقل إلى ينبع، ووقع لبعض أولاد الشريف زيد تنافر مع أخيرهم الشريف سعد والتحقوا بالسيد حمود وفعلوا مثل فعله من النهب وغيره، وجهز الشريف إليهم فلم يظفر بهم بل ببعض أموالهم ووقع من الشريف حمود أمور مشتهرة قيدها غير واحد من المؤرخين.
وفي هذه المدة تكاثرت الفتن والغلاء والسرقة والحرائق وسقوط النجوم وظهر عمود في السماء لم يظهر مثله وكثر الفناء والمرض وكسفت الشمس، وقد كان توجه الشريف سعد إلى ينبع مع الحج المصري وخلف أخاه الشريف أحمد بن زيد على مكة؛ فأقامه الله سبحانه وتعالى أحسن قيام ووجد الطعام ثم توجه هو إلى نواحي المبعوث وأقام مقامه الشريف بشير بن سليمان في صفر من سنة ألف وتسع وسبعين، انتهى ما وجدته مذيلا على نسخة المؤرخ العلامة ابن ظهيرة الموجودة بمصر بالأزهر الأنور برواق الأروام بخط كاتب ذلك التاريخ، وتم نسخ النسخة المذكورة في يوم الأحد الحاديث عشر من ذي القعدة الحرام من سنة ألف ومائة وتسع وثلاثين من هجرته -صلى الله عليه وسلم.
ثم رجع الشريف سعد إلى مكة في يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي القعدة من ينبع واستمر إلى سنة ثلاث وثمانين وألف وكان في هذه السنة أمير الحج حسين باشا فحصل التنافر في يوم الحادي عشر من ذي الحجة بمنى بين الشريف سعد وبين الباشا، وكان في