للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخزومي، حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا محمد بن الحسن عن عمر بن عثمان بن عمر، حدثنا موسى عن أيوب بن سلمة، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى العقيق ثم رجع فقال: "يا عائشة، جئنا من هذا العقيق فما ألين موطئه وأعذب ماءه"، قالت: يا رسول الله، أفلا ننقل إليه؟ فقال: "كيف وقد ابتنى الناس؟ "

قالت: ووجد على قبر آدمي عند حمى أم خالد بالعقيق١ حجر مكتوب: "أنا عبد الله رسول الله سليمان بن داود إلى أهل يثرب"، ووجد حجر آخر على قبر آدمي أيضا عليه مكتوب: "أنا أسود بن سوادة رسول رسول الله عيسى ابن مريم إلى أهل هذه القرية"، قلت: وابتنى بعض الصحابة بالعقيق ونزلوه، وكذلك جماعة من التابعين ومن بعدهم، وكانت فيه القصور المشيدة والآبار٢ العذبة.

ولأهلها أخبار مستحسنة في الكتاب وأشعار رائقة، ولما بنى عروة بن الزبير قصره بالعقيق ونزله قيل له: جفوت عن مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم؛ فقال: إني رأيت مساجدهم لاهية، وأسواقهم لاغية، والفاحشة في فجاجهم عالية، فكان بعدي مما هنالك عافية.

قال أهل السير: كانت بنو أمية تجري في الديوان رزقا على من يقوم على حوض مروان بن الحكم بالعقيق في مصلحته وفيما يصلح بئر المغيرة من علقها ودلائها. قالوا: ومر هشام بن عبد الملك٣ وهو يريد المدينة بجرر هشام بن إسماعيل بالرابغ، فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذه جرر جدك هشام، فأمر بإصلاحها وما يقيمها من بيت المال فكانت توضع هناك جرار أربع يسقى منهن الناس.

قالوا: وولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العقيق لرجل اسمه هيضم المزني، ولم تزل الولاة على المدينة يولون واليا من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى كان زمان داود بن عيسى٤ فتركه في سنة ثمانٍ وتسعين ومائة.

قالوا: ومات سعيد بن زيد بن أبي وقاص وهما من العشرة بالعقيق، وحملا إلى المدينة فدفنَّا بها، قلت: ووادي العقيق اليوم ليس به ساكن وفيه بقايا بنيان خراب وآثار تجد النفس برؤيتها أنسا كما قال أبو تمام:

ولا الخدود وإن أدمين من خجل ... أشهى إلى ناظري من خدها الترب

ما ربع مية معمورا يطيف به ... غيلان أبهى ربا من ربعها الخرب٥


١ وادٍ خصب يقع غربي المدينة ويبعد عنها قليلا.
٢ من أشهر آبار العقيق: بئر رومة وبئر عروة.
٣ تولى هشام الخلافة الأموية عشرين عاما "١٠٥-١٢٥هـ".
٤ هو والي المدينة في عهد الرشيد والأمين.
٥ مية: محبوبة ذي الرمة. وغيلان: هو ذو الرمة الشاعر الأموي المتوفى عام ١١٧هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>