رابعاً: الإجماع على عدم وقوع التكليف بالشاق من الأعمال.
وهو يدل دلالة قطعية على عدم قصد الشارع الحكيم إليه.
والأدلة على سماحة الشريعة أكثر من أن تحصر، لأن أحكام الشريعة كلها مبنية على التيسير ومصالح العباد، وكيف لا تكون كذلك وهي الشريعة السمحة التي جعل الشارع الحكيم من أهم مقاصدها مصلحة العباد في دنياهم وأخراهم ودرء المفاسد والمشاق عنهم.
فلو أن كل واحد لا ينتفع إلا بما هو ملكه، ولا يستوفي إلا ممن عليه حقه، ولا يأخذه إلا بكماله، ولا يتعاطى أموره إلا بنفسه لكان في ذلك مشقة عظيمة، ولكن حرصاً من الشارع الحكيم على مصلحة عباده، ودفعاً للمشقة عنهم سهل الأمر بإباحة الانتفاع بملك الغير بطريق الإجارة والإعارة والقرض، وبالاستعانة بالغير وكالة وإيداعاً وشركة ومضاربة ومساقاة، وبالاستيفاء من غير المديون حوالة، وبالتوثيق على الدين برهن أو كفيل ولو بالنفس، وبإسقاط بعض الدين صلحاً أو كله إبراءً، ولحاجة افتداء اليمين جوز الشرع الصلح عن إنكار.
ومن الأدلة على رعاية الشرع لمصالح العباد جوازُ تعاطي العقود الجائزة، لأن لزومها لو وجبت، شاق فيكون سبباً لعدم تعاطيها، ووقف عزل الوكيل والقاضي على علمهما بالعزل دفعاً للحرج.
ومنها: مشروعية الوصية عند الموت ليتدارك الإنسان ما فرط فيه في حال حياته، ومنها إسقاط الإثم عن المجتهدين في الخطأ، والتيسير عليهم بالاكتفاء بالظن دون القطع واليقين.
ومنها: إباحة الشارع النظر إلى الأجنبية للطبيب والشاهد وعند الخطبة وللسيد.