الوحيدة للمواصلات البعيدة، إذ هو الحيوان الوحيد المؤهل لنقل الأحمال الثقيلة لمسافات بعيدة بحكم تكوين خفه الذي يساعده على المسير في الرمال بحمولته الثقيلة دون أن يغوص فيها، وبحكم قوته واحتماله وصبره الشديدين. فهو يستطيع أن يحمل أربعة أطنان ويقطع بها ٦٠ ميلًا في اليوم في الصحراء كما يستطيع أن يسافر عشرين يوما بدون ماء في درجات الحرارة العالية, وأكثر من ذلك إذا أعطي شيئا من الكلأ الأخضر, وإلا فهو يستطيع أن يواصل سفره خمسة أيام أخرى قبل أن يموت. ومن هذا المنطلق نقدر دور الجمل في الحركة التجارية الواسعة التي مارسها العرب بشكل نشط قبل الإسلام والتي كانت قوافل الجمال تحمل خلالها منتجات شبه الجزيرة من البخور واللبان والطيوب إلى خارج المنطقة لتعود بالسلع التي يحتاجها أهل البلاد، الأمر الذي شكل المورد الاقتصادي الأول عند سكان شبه الجزيرة والمصدر الأساسي لثروتهم. ومن هذا المنطلق كذلك نستطيع أن نقول: إن الجمل بصفاته هذه، كان عاملًا أساسيًّا في تسهيل مهمة العرب في أثناء الفتوح التي تمت بعد غروب العصر الجاهلي, وظهور الدعوة الإسلامية.
وفي مقدورنا أن نتبين الأهمية الكبيرة التي أضفاها عرب شبه الجزيرة على الجمل من ظاهرتين أساسيتين: إحداهما هي أن ثروة العربي كانت تقدر بعدد ما يملكه من جمال "إلى جانب ما كان يملكه من نخيل" على أساس أن الجمل يمثل أثمن سلعة في البادية. ومن هذا المنطلق كذلك كان الجمل يشكل ما يمكن أن نسميه العملة الصعبة في المعاملات, إذا جاز لي أن أستخدم تعبيرا معاصرا. فالمهر الذي يدفع لأهل العروس، والدية التي يتقاضاها أهل القتيل, والربح الذي يحصل عليه لاعب الميسر كانت كلها تقدر بعدد من الجمال. أما الظاهرة الثانية التي تشير إلى أهمية الجمل في حياة العرب في عصر ما قبل الإسلام فهي هذا العدد الهائل من الأسماء والصفات التي أعطيت للجمل "أو الناقة" فيما يخص أنواعه ودرجات لونه ومراحل نموه وطرق سيره وهي