هذا السد قائمة في مكانها حتى الآن. كذلك تشير لنا النقوش التي عثر عليها في المنطقة أن جدران هذا السد تصدعت في أكثر من مناسبة، إذ تذكر لنا هذه النقوش أن ترميمات لسد مأرب تمت في عهد شرحبيل يعفر في أواسط القرن الخامس الميلادي "٤٤٩-٤٥٠م" ثم في عهد أبرهة حاكم اليمن من قِبَلِ نجاشي الحبشة، في أواسط القرن الذي يليه "٥٤٣م" وإذا كان السيل الذي أعقبه هذا الترميم الأخير قد تم في فترة قريبة من ظهور الدعوة الإسلامية بحيث كانت أخباره لا تزال ماثلة في أذهان الجاهليين الذين نزلت آيات القرآن الكريم لتذكرهم بها، فإن أخبار التصدعات والترميمات الأخرى السابقة لهذه المناسبة الأخيرة لا بد أن تكون شيئا وَعَتْه ذاكرة العرب كتاريخ على مر القرون في أثناء رحلاتهم التجارية بين اليمن والشام، فالقحط الذي يصيب منطقة مشهورة بخصبها مثل اليمن "الشهيرة بثروتها الزراعية وما يترتب عليها من رخاء" بعد أن تفقد المياه التي كان سد مأرب يحفظها للانتفاع بها في مواسم الجفاف لا بد أن يؤثر على منتجات اليمن التي تحملها القوافل التجارية وتبادل بها سلعا أخرى، ومن ثم فلا بد أن يكون تصدع السد شيئا بارزا يتناقله القادمون من اليمن والذاهبون إليه، بل إن مثل هذا الحدث يتحول في الواقع إلى تاريخ يروونه ويحددون به مواعيد الأحداث التي وقعت قبله أو بعده. وإذا كان التصدع الأخير قد حدث في عصر سيادة الحبش على المنطقة فإن أذهان العرب لا بد أنها كانت تعي تصدعات أخرى في السد حدثت حين كان السبئيون هم أصحاب السيطرة على المنطقة١٤.
١٤ عن هذا السيل, سورة سبأ: ١٥، ١٦. عن السيول في شبه جزيرة العرب بوجه عام، سورة الرعد: ١٧. عن بقايا السد راجع ملحق اللوحات: لوحة ٤. عن شيوع فكرة السدود في شبه الجزيرة بغرض تخزين مياه الأمطار والسيول، راجع الحديث عن سد السملقى "أعلى وادي ليه من ضواحي مدينة الطائف" وسد الحصين جنوبي خيبر في الباب الرابع "الخاص بالآثار والنقوش" من هذه الدراسة، انظر كذلك لوحتي ٤ ب - ح في ملحق اللوحات. عن القحط الناتج عن الجفاف الذي سببه تصدع السد ومن ثم ضياع المخزون وراءه من المياه راجع الآيتين في بداية هذه الحاشية.